هل آن آوان تفكيك چوچل؟ بقلم / جوناثان تابلين

 (نشر هذا المقال بالإنجليزية في صحيفة النيويورك تايمز بتاريخ 22 نيسان 2017).

في غضون عشر سنوات فقط، تغيّر تصنيف أكبر خمس شركات في العالم (بحسب قيمتها السوقية) إلا واحدة: مايكروسوفت. خرجت كل من إكسون موبيل وجنرال إلكتريك وسيتي چروب وشل أويل، وحلّت محلها آپل وآلفابِت (الشركة الأم لچوچل) وأمازون وفيسبوك.
كلّها شركات تكنولوجية، وكل منها مسيطر في مجاله الصناعي: تملك چوچل 88٪ من حصة السوق في إعلانات البحث، وتملك فيسبوك (وشركاتها التابعة إنستچرام وواتسآپ ومسنجر) 77٪ من حركة التواصل الاجتماعي المتنقل، ولدى أمازون 74% من حصة سوق الكتب الإلكترونية. من الناحية الاقتصادية الكلاسيكية، تعتبر جميع هذه الشركات الثلاث احتكارات.


يعيدنا ذلك إلى أوائل القرن العشرين، عندما قدم لويس برانديز، مستشار الرئيس وودرو ويلسون، الحجج المتعلقة بـ«لعنة الضخامة»، قبل أن يعيّنه الأخير في المحكمة العليا. أراد برانديز القضاء على الاحتكارات، لأنه (على حد تعبير مؤرخه ميلفن أورفسكي) «في مجتمع ديمقراطي، يُعد وجود مراكز قوى خاصة كبيرة خطرًا على استمرارية حيوية الشعب الحر». لا نحتاج النظر إلى أبعد من تصرفات أكبر البنوك أثناء الأزمة العالمية التي حدثت في العام 2008، أو إلى الدور الذي لعبته فيسبوك وچوچل في مجال «الأخبار الكاذبة» لنعرف أن برانديز كان محقًا.
رغم أن برانديز عارض التنظيم بشكل عام -إذ كان يخشى من أنه سيؤدي بالضرورة إلى فساد المنظِّم- ودعا بدلًا من ذلك إلى كسر «الضخامة»، فقد استثنى من ذلك الاحتكارات الطبيعية؛ مثل الهاتف والماء وشركات الطاقة والسكك الحديدية، حيث كان من المنطقي أن تُسيطر شركة أو بضع شركات على صناعة بأكملها.
هل يمكن أن تكون هذه الشركات -وچوچل على وجه التحديد- قد أصبحت احتكارًا طبيعيًا من خلال تزويد طلبات سوق بأكمله بخدمة، وبسعر أرخص من السعر الذي قد تعرضه شركتان متنافستان؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل حان وقت تنظيمها مثل المرافق العمومية؟
فلنأخذ الأيام الأولى لتكنولوجيا الاتصالات مثالًا للمقارنة.
قد تُظهر صورة فوتوغرافية من عام 1895 لمنطقة أعمال في مدينة كبيرة 20 سلكًا هاتفيًا موصولة إلى معظم المباني. كل سلك كان مملوكًا من قبل شركة هاتف مختلفة، ولم يكن يعمل أي واحد منها مع الآخر. دون آثار من الشبكة، كانت الشبكات نفسها عديمة الجدوى تقريبًا.
كان الحل لشركة واحدة، أن توحِّد شركة الهاتف الأمريكية والتلغراف الصناعة عبر شراء جميع المشغلين الصغار وخلق شبكة واحدة – أي احتكار طبيعي. سمحت الحكومة [الأمريكية] بذلك، لكنها نظّمت هذا الاحتكار عبر الهيئة الفدرالية للاتصالات.
تم تنظيم أسعار AT&T (المعروفة أيضًا بنظام بيل)، وطُلب منها إنفاق نسبة مئوية ثابتة من أرباحها على البحث والتطوير. في عام 1925، أنشأت AT&T مختبرات بيل كشركة فرعية منفصلة مع تفويض لتطوير الجيل الجديد من تكنولوجيا الاتصال، ولكن أيضًا لإجراء أبحاث أساسية في الفيزياء والعلوم الأخرى. على مدى الخمسين سنة اللاحقة، خرجت كل أساسيات العصر التقني -الترانزيستور والميكروشيب والخلايا الشمسية والميكروويف والليزر والهواتف الخليوية- من مختبرات بيل، إلى جانب ثمانية جوائز نوبل.
في مرسوم موافقة لعام 1956 سمحت فيه وزارة العدل لـAT&T بالاستمرار في احتكارها للهاتف، نالت الحكومة امتيازًا هائلًا: أصبحت جميع براءات الاختراع السابقة مرخصة (لأي شركة أمريكية) بدون حقوق، وستُرخص كل براءات الاختراع المستقبلية مقابل رسومٍ رمزية. أدّت هذه التراخيص إلى إنشاء شركات تكساس إنسترومينتس وموتورولا وفيرتشايلد سيميكونداكتر والعديد من الشركات الناشئة الأخرى.






صحيح، لم تعاني شبكة الإنترنت من مشاكل التداخل في التشغيل هذه، وطريق چوچل إلى الهيمنة يختلف عن أنظمة بيل. ومع ذلك، ما تزال چوچل تملك خصائص المرفق العمومي.
علينا أن نقرر قريبًا ما إذا كانت چوچل وفيسبوك وأمازون أنواع احتكارات طبيعية تحتاج التنظيم، أو ما إذا كنّا سنسمح للوضع الراهن بالاستمرار، متظاهرين أن هذه الكتل غير المقيدة لا تحدث ضررًا على خصوصيتنا وديموقراطيتنا.
يستحيل إنكار أن فيسبوك وچوچل وأمازون قد أحبطت الابتكار على نطاق واسع. فمن حيث المبدأ، تعتبر منصات چوچل وفيسبوك نقطة وصول إلى جميع وسائل الإعلام لمعظم الشعب الأمريكي. وفي حين أن أرباح چوچل وفيسبوك وأمازون قد ارتفعت، فقد هبطت العوائد في شركات الإعلام مثل نشر الجرائد أو تجارة الموسيقى بنسبة 70% منذ عام 2001.
ووفق مكتب إحصاءات العمل [الأمريكي]، خسر ناشرو الصحف أكثر من نصف موظفيهم بين عام 2001 و2016، وانتقلت مليارات الدولارات من مبتكري المحتوى إلى مُلاّك منصات الاحتكار. على كل مبتكري المحتوى المعتمدين على الإعلانات أن يتفاوضوا مع چوچل أو فيسبوك كمنصات تجميعية؛ كشريان الحياة الوحيد بين أنفسهم وسحابة الإنترنت الشاسعة.
ليست الجرائد وحدها هي المتضررة. في عام 2015، نشر المستشاران الاقتصاديان لأوباما، بيتر أورتزاغ وجيسون فورمان، ورقة جادلا فيها بأن الارتفاع في «العوائد فوق الطبيعية على رأس المال» في شركات ذات منافسة محدودة يؤدي إلى ارتفاع نسبة اللامساواة الاقتصادية. فسّر الاقتصاديان في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا سكوت ستيرن وجورج جوزمان أنه في ظل وجود هذه الشركات العملاقة، «فقد ارتفعت بشكل متزايد أفضلية أن تكون ذا موقع في السوق، وقلّت أفضلية أن تكون وافدًا جديدًا».

هناك بعض اللوائح التنظيمية الواضحة التي يمكن البدء بها. فالاحتكار يتم عن طريق الاستحواذ- چوچل اشترت Admob وDoubleclick، فيسبوك اشترت إنستچرام وواتسآپ، وأمازون اشترت Audible وTwitch وZappos وAlexa، وهذه بعض الأمثلة فقط. بالحد الأدنى، ينبغي ألا يتم السماح لهذه الشركات بالاستحواذ على شركات رئيسية أخرى مثل Spotify وSnapchat.
البديل الثاني هو تنظيم شركة مثل چوچل كمرفق عمومي، يتطلب منها ترخيص براءات الاختراع مقابل رسوم رمزية، مقابل لوغاريتمات محرك بحثها وتبادلاتها الإعلانية وابتكارات رئيسية أخرى.
البديل الثالث هو إزالة شرط «الملاذ الآمن» في قانون الألفية الرقمية لحقوق التأليف والنشر، الذي يسمح لشركات مثل فيسبوك، ويوتيوب التابعة لچوچل، بالركوب مجانًا على المحتوى الذي ينتجه آخرون. فالسبب في وجود 40,000 فيديو من داعش على اليوتيوب، والعديد منها باعلانات تجلب أرباحًا للأشخاص الذين نشروها، هو أن يوتيوب ليس عليه تحمّل مسؤولية محتواها على شبكتها. تدعي فيسبوك وچوچل وتويتر أن ضبط شبكاتها سيكون عملية مرهقة للغاية. لكن هذا شديد السخف: فهم يضبطون شبكاتهم بالفعل فيما يتعلق بالمحتوى الإباحي، وبشكل جيد جدًا.
ستجبر إزالة رقابة «الملاذ الآمن» الشبكات الاجتماعية أيضًا على دفع ثمن المحتوى الذي ينشر على موقعها. كمثال بسيط: تسفر مليون عملية تحميل أغنية من iTunes عن أرباح للفنان والشركة التي تمثله بقيمة 900,000 دولار تقريبًا، بينما سيسفر مليون استماع مباشر لنفس الأغنية على يوتيوب ما قيمته 900 دولارًا.
لا أتوهم أن تنظيم ومكافحة احتكارات الإنترنت سيكون أولوية، بوجود حيتان قطاع التكنولوجيا الليبيرتاريين في الدوائر المقربة من الرئيس ترامب، من أمثال بيتر ثيل. في نهاية المطاف، قد يكون علينا الانتظار لأربع سنوات، في وقت ستبلغ فيه الاحتكارات درجة من الهيمنة سيكون معها الحل الوحيد هو كسرها. فلنجبر چوچل على بيع DoubleClick، ونجبر فيسبوك على بيع واتسآپ وإنستچرام.
كان وودرو ويلسون محقًا حين قال عام 1913 أنه «إذا ما استمر الاحتكار فإنه سيجلس على رأس الحكومة». تجاهلنا لكلماته يُعرضنا للخطر.

جوناثان تابلين هو المدير الفخري لمختبر أنينبيرغ للابتكار، التابع لجامعة جنوب كاليفورنيا، ومؤلف كتاب «تحرك بسرعة واكسر الأشياء: كيف حاصرت چوچل وفيسبوك وأمازون الثقافة وهددت الديمقراطية».

المصدر : موقع حبر

تعليقات