حادثة الحرم و قضية ريلاند ضد فليتشر! بقلم / طلال المعمر

بادئ ذي بدء أعزي ذوي شهداء حادثة الحرم وأدعو الله أن يمن على المصابين بالشفاء وتمام العافيه. إن الحديث عن حادث بسيط هو موضوع مؤلم فما بالك بحادثة وقعت في أطهر البقاع وفي الأشهر الحرم. المؤمن يدرك تماماً أن أقدار الله واقعة و حكمته –سبحانه وتعالى- في بعضها خافية، لايمنع من ذلك البحث في الأسباب والعمل بها، ولعل في حادثة الحرم المكي الشريف دروس و عِبر وددت أن اتشارك والقارئ الكريم الرأي فيها.
في بيان أصدره الديوان الملكي السعودي بتاريخ 15-09-2015م أوضح تقرير اللجنة المكلفة بالتحقيق في الحادثة، والذي انتفت فيه «الشبهة الجنائية» أن «وضعية الرافعة تعتبر مخالفة لتعليمات التشغيل المُعدة من قبل المصنع، والتي تنص على إنزال الذراع الرئيسة عند عدم الاستخدام، أو عند هبوب الرياح، وكان من الخطأ إبقاءوها مرفوعة، إضافة إلى عدم تفعيل واتباع أنظمة السلامة في الأعمال التشغيلية، وعدم تطبيق مسؤولي السلامة عن تلك الرافعة التعليمات الموجودة في كتيب تشغيلها، يضاف إلى ذلك ضعف التواصل والمتابعة من قبل مسؤولي السلامة بالمشروع لأحوال الطقس وتنبيهات رئاسة الأرصاد وحماية البيئة، وعدم وجود قياس لسرعة الرياح عند إطفاء الرافعة، وعدم التجاوب مع خطابات جهات معنية بمراجعة أوضاع الرافعات، وخصوصاً الرافعة التي سببت الحادثة».


أوصت اللجنة بـ«تحميل المقاول (مجموعة بن لادن السعودية) جزءاً من المسؤولية عما حدث، لما أشير إليه من أسباب، وتم التوجية السامي بإيقاف تصنيف «مجموعة بن لادن السعودية» ومنعها من المشاريع الجديدة، وتكليف وزارة المالية بمراجعة مشاريعها. وإعادة النظر في عقد الاستشاري (شركة كانزاس)، ومراجعة أوضاع جميع الرافعات الموجودة في المشروع، والتأكيد على توفير جميع متطلبات واحتياطات الأمان والسلامة فيها».
لاشك أن الأوامر السامية كانت بلسماً شافياً لكل متضرر و علقماً مراً على من أهمل. والمقال سيتطرق أكثر إلى مبدأ الإهمال من منظور قانون التأمين البريطاني، حيث يعرف القانون خطأ الإهمال يعرف على أنه "التقصير في أو عدم القيام بعمل ما يُتَوقع من الشخص العاقل في ظل ظرف معين أو القيام بعمل لا يُقبل من ذات الشخص في ظل ظرف معين"، بعبارة أبسط هو الفشل في أخذ الحيطة والحذر والقيام بالواجب المطلوب حسب الظروف التي تتطلب ذلك. ولوقوع هذا النوع من الأخطاء المدنية يتوجب توفر ثلاث عناصر مهمه، هي: واجب العناية الذي يلتزم به المدعى عليه تجاه المدعي، و أن هناك إخلال بهذا الواجب من قبل المدعى عليه، ونتيجه لذلك لحق ضرر بالمدعي. ومن أشكال الضرر: الوفاة، والإصابة الجسدية، وتضرر الممتلكات وهو ماحدث في حادثة الرافعة بالحرم المكي الشريف، وقد حدد بيان الديوان الملكي أن إهمالاً وقع بلا أدنى شك، مثال ذلك: أن "وضعية الرافعة تعتبر مخالفة لتعليمات التشغيل، إضافة إلى عدم تفعيل واتباع أنظمة السلامة في الأعمال التشغيلية، وعدم تطبيق مسؤولي السلامة عن تلك الرافعة التعليمات الموجودة في كتيب تشغيلها".
أُشير إلى قضية ريلاند ضد فليتشر في قانون التأمين البريطاني التي تؤسس مبدأ "المسئولية القطعية"، وهي المسؤولية الناشئة عن فعل حتى لو كان بغير قصد أو لم يكن هناك إهمالاً مثل المسؤولية الناجمة عن العقد، حيث أن المدعي عليه لا يستطيع أن يحتج أنه أتخذ كافة الاحتياطات المعقولة وأنه لا يوجد أي إهمال من طرفه ويفرض القانون المسؤولية القطعية على الأفراد الذين يعملون في بعض الأعمال الخطرة ولكن يشترط وجود خطأ من شأنه أن يسبب الأذى. في القضية المشار إليها استأجر المدعى عليه مقاولين لبناء خزان ماء في أرضه، واكتشف أنه هناك ممرات لمنجم قديم متصل بمنجم المدعي، وعند ملأ الخزان بالماء انهارت إحدى الممرات وفاض الماء حتى وصل إلى منجم المدعي، أقرت المحكمة بمسؤولية المدعى عليه. وهذا مثال على المسؤولية القطعية التي يمكن أن تنشأ حتى لو لم يكن المدعي عليه مهملاً أو مخطئ، وأرى أن تطبيق مثل هذا المبدأ على الكثير من مشاريعنا القائمة، والتي لا يراعى فيها الدور المهم للعناصر المحيطة بالمشروع من إنسان وبيئة أو حتى الجمادات، قد يساعد في الحد من تكرار مثل هذه الظواهر.
كما أعزز من أهمية مبادئ السلامة وإدارة المخاطر وتفعيل تطبيق أنظمة السلامة العالمية على مشاريعنا جميعها، وتفعيل التقييم الدوري لرخص المقاولين وأهم من هذا كله تعزيز الرقابة على مشاريع المقاولة بالباطن أو حتى إيقافها.

بقلم / طلال بن عثمان العبدالكريم المعمر
الزمالة الملكية البريطاينة للتأمين
زمالة إدارة المخاطر الأمريكية

تعليقات