مصباح كمال : موقع التأمين في تصورات د. صباح قدوري ود. حسن عبد الله بدر حول الاصلاح الاقتصادي في اقليم كردستان العراق

شكر وتقدير
أشكر السيد عبد القادر عبد الرزاق فاضل، المدير المفوض لشركة كوردستان الدولية للتأمين، والدكتور هيثم أبو العينين، المدير العام لشركة أور الدولية للتأمين، والسيد جمال عصفور، الرئيس التنفيذي لشركة آسيا للتأمين والسيد عماد أحمد محمد المدير المالي للشركة، لتوفير البيانات عن نشاط شركاتهم التي استفدت من بعضها في هذه الورقة.  كما أشكر السيد بخيت حداد، المدير الفني لشركة كار للتأمين والسيد محمد الكبيسي، استشاري تأمين، لتقديمهما بعض الملاحظات حول واقع ممارسة النشاط التأميني في الإقليم.
 
تنبيه
أود تنبيه القراء إلى أن الأفكار والتقييمات في هذا التعليق ليست ثابتة خاصة وأنها ليست مدعومة بمستندات رسمية وغيرها.  قد تكون هناك بيانات منشورة عن أحوال قطاع التأمين في إقليم كوردستان إلا أننا لم نستهدي إليها.  لقد توخينا الحذر في الكتابة عن واقع الحال لحين توفر معلومات مؤكدة.  أتمنى على القراء المهتمين تقويم ما جاء في هذه الورقة وإرشادي إلى بيانات ومستندات لم أستطع الوصول لها.

الآراء الواردة في هذه الورقة تمثل وجهة نظري الشخصية ولا علاقة لها بشركات التأمين والأشخاص الذين تفضلوا بتقديم المعلومات.

خطة الورقة
نشر د. صباح قدوري ود. حسن عبد الله بدر دراسة مهمة بعنوان “بعض التصورات حول الاصلاح الاقتصادي في اقليم كردستان العراق” في شبكة الاقتصاديين العراقيين[1] تستحق المناقشة من قبل أصحاب الاختصاص.  وما يهمنا منها هنا هو مكانة التأمين التجاري والاجتماعي في اقتصاد الإقليم التي أشار إليها الكاتبان.  وسيقتصر تعليقنا على تقديم بعض الملاحظات الانتقائية.  سنتبع في التعليق الأقسام الثلاثة في دراسة الكاتبين حسب تسلسلها مع تعديل طفيف لعناوينها وهي: المدخل، وقيود التنمية في اقليم كوردستان العراق، وأفكار للإصلاح الاقتصادي. 

مدخل: توصيف اقتصاد إقليم كردستان وتبعية التأمين للريع النفطي

تقوم دراسة د. صباح قدوري ود. حسن عبد الله بدر على قناعة بأن اقتصاد إقليم كردستان العراق يعاني من خلل ولذلك فإنه بحاجة إلى إصلاح.  وكما يؤكد الكاتبان فإن

اقتصاد الاقليم اقتصاد ريعي، حاله حال الاقتصاد العراقي. وهذا يعني تبعية الاقليم للمداخيل الناتجة من تصدير النفط بالدرجة الاساسية. ويجد الطابع الريعي لاقتصاد الاقليم تعبيره في الضعف الشديد، وحتى المتناقص، لمساهمة قطاعي الزراعة والصناعة التحويلية في تكوين الناتج القومي. فالأرقام الرسمية المتاحة تشير الى مساهمة متواضعة للقطاعين الاساسيين معا في مجموع الناتج، وعلى نحو لا يتناسب مع الموارد المالية وغير المالية الكبيرة المتاحة، ولا حتى مع كان عليه الحال بالفعل حتى أواسط الثمانينيات.

نزعم أن قطاع التأمين في الإقليم كان سيكون تابعاً حقاً للاقتصاد الريعي لو أنه كان المستفيد الرئيس من تأمينات صناعة النفط في مختلف أطوارها (تأمين المنشآت والمكائن والمعدات والمسؤوليات القانونية المتعلقة بمراحل الاستكشاف والحفر والإنتاج والخزن والنقل والتكرير).  وهو بمعنى ما يظل تابعاً لأن الريع النفطي، في الوقت الحاضر، هو الذي يقرر مستوى النشاط الاقتصادي والاستثماري، الذي يؤثر بدوره على حجم الطلب على منتجات التأمين.  ليست هناك، حسب علمنا، دراسة موثقة تربط بين واقع الصناعة النفطية في الإقليم وتأمينها.[2]

قيود التنمية في اقليم كردستان وأثرها على التأمين

في قسم قيود التنمية في اقليم كردستان يشير الكاتبان في الفقرة 10 من دراستهما إلى شركات التأمين ضمن توصيف طبيعة النظام الاقتصادي وآلياته في الاقليم كما يلي:

ضعف مساهمة النظام الضريبي والرسوم الجمركية في تمويل الميزانية المحلية، بسبب انتشار الفساد الاداري والمالي في اجهزتها، وانعدام الرقابة الشعبية عليها، وصعوبة الجباية، وضعف سيطرة الادارات المختصة في تنظيم امورها، مع هيمنة وطغيان السلطات الحزبية في شؤونها. ومن ناحية اخرى، ثمة ضعف واضح في اداء التشريعات المالية وفي تطوير النظام الضريبي والمؤسسات المالية، وعلى راسها البنوك والمصارف وشركات التامين، وتعدد الانظمة المحاسبية في المؤسسات العامة والخاصة. [التأكيد من عندنا]

هناك حقاً ضعف في تطوير شركات التأمين والتشريعات المتعلقة بها ودورها في التنمية الاقتصادية.  فعدد شركات التأمين المجازة من قبل وزارة المالية والاقتصاد هو ثماني شركات وهذه الشركات حسب الترتيب الألفبائي هي:

شركة آسيا للتأمين، شركة الإخاء للتأمين (وهي أحدث الشركات)، شركة أور الدولية للتأمين، شركة جيهان للتأمين، شركة دلنيا للتأمين، شركة ستار كار للتأمين (وهي أقدم الشركات، تأسست عام 2004)، شركة كار للتأمين، شركة كوردستان الدولية للتأمين.

إن كثرة شركات التأمين ليس مقياساً مهماً للحكم على مدى انتشار التأمين ونوعية الخدمات التأمينية سوى أن تعدد الشركات قد يعني وجود حالة من التنافس بينها، وربما عرض منتجات تأمينية متميزة من قبل بعض الشركات دون غيرها كالتأمين على الحياة الذي لا توفره جميع الشركات العاملة، وهو الفرع الأقل انتاجاً للأقساط في الإقليم في الوقت الحاضر رغم أهميتها في تمويل الاستثمار.

تعتمد معظم الدراسات الحديثة لتقييم النشاط التأميني ومكانته في الاقتصاد الوطني على مقياسين.  أحدهما هو الكثافة التأمينيةوهو المقياس الذي يؤشر على

… ما ينفقه الفرد على شراء الحماية التأمينية ويمثل ذلك بنسبة إجمالي أقساط التأمين المتحققة إلى عدد السكان).  وتقديرنا أن دور التأمين حالياً كمساهم في التنمية الاقتصادية من خلال تجميع المدخرات وتوفيرها للمستثمرين وكمشغل للأيدي العاملة مفقود وفي أحسن تقدير هامشي جداً.  وهذا التقدير نابع من حقيقة أن الكثافة التأمينية في الدول النامية عموماً ومنها الدول العربية ضعيفة مقارنة بمثيلاتها في بعض الدول الآسيوية هذا إذا غضضنا النظر عن المقارنة مع مجموعة الثماني، وكذلك الانقطاع الطويل عن ممارسة النشاط التأميني في الإقليم.[3]

لو كانت بيانات أقساط التأمين الإجمالية المكتتبة في الإقليم معروفة لكان من الممكن حساب الكثافة التأمينية بشكل تقريبي اعتماداً على عدد السكان حتى لو كان هذا العدد غير دقيقاً.[4]  والمقياس الثاني هو التغلغل التأميني الذي يتمثل بنسبة دخل أقساط التأمين المكتتبة إلى الناتج المحلي الإجمالي.  وهنا أيضاً لا تتوفر لدينا الإحصائيات.

ونحن نرجح أن الكثافة التأمينية في الوقت الحاضر متدنية لأن الطلب على الحماية التأمينية من قبل الأفراد وحتى الشركات ضعيف.  فالتأمين لا يدخل في تفكير الأفراد للتدبر ضد ما قد يخبئه المستقبل من آثار ضارة على حياتهم وممتلكاتهم.[5]  ولا يجد التأمين حضوراً قوياً له في إدارات ومجالس إدارات الشركات ربما باستثناء الشركات النفطية أو تلك التي لها علاقة بهذه الشركات وخاصة عندما تكون الشركات النفطية أجنبية.  وحتى عندما يكون التأمين حاضراً في تفكير الشركات والمستثمرين فإن معرفتهم بوجود شركات تأمين في الإقليم غائبة.  لنقرأ ما يقوله رئيس اتحاد مستثمري كوردستان (15 آب 2015):

من الواضح ان المستثمر الاجنبي لن يتوجه الى اي مكان للعمل فيه ان لم يضمن تحقيق فائدة بنسبة %100، لذلك فان عدم وجود نظام مصرفي ملحوظ في اقليم كوردستان يعيق حضور غالبية المستثمرين الاجانب للعمل في كوردستان، الى جانب عدم وجود شركات تأمين في كوردستان٬ فالمواطن الاجنبي لا يقتني سيارة ان لم يقم بالتأمين عليها[6] [التأكيد من عندنا]

وليس معلوماً أن شركات التأمين الكردية، منفردة أو مجتمعة، قامت بحملات حقيقية لترويج مؤسسة التأمين سوى الإعلان عن نفسها وخدماتها في الشبكة العنكبوتية وربما في منافذ أخرى لم نتعرف عليها.  مثلما لم تقم بالضغط على حكومة الإقليم للالتفات إلى مكانة التأمين في اقتصاد الإقليم ورعايته من خلال التشريعات المناسبة والتوجيهات الرقابية أو تعديل ما هو قائم منها.

إضافة إلى حجم أقساط التأمين المكتتبة، وفيما يخص سياق هذه الورقة، هناك معيار الحكم على حجم استثمارات شركات التأمين، وعلى حجم العمالة المستخدمة في النشاط التأميني، وكذلك حجم الضرائب والرسوم التي تدفعها شركات التأمين للخزينة.[7]  وقد قمنا بمخاطبة شركات التأمين المجازة لمزاولة التأمين في الإقليم بهدف الحصول على بعض البيانات والمعلومات الأساسية لتكوين صورة أفضل عن واقع النشاط التأميني في الإقليم ضمن هذه المعايير.  إلا أن الاستجابة اقتصرت على الشركات التالية: شركة كوردستان الدولية للتأمين وشركة أور الدولية للتأمين وشركة آسيا للتأمين.

ونلخص هنا بعض البيانات الإجمالية لهذه الشركات للسنة المنتهية في 31 كانون الأول 2014 في الجدول التالي.

الأرقام بالدولار الأمريكي (تقريبية لأنها تعكس سعر الصرف السائد)
اسم الشركة
إجمالي الأقساط المكتتبة
إجمالي الاستثمارات
حصة الهيئة العامة للضرائب
عدد العاملين

شركة آسيا للتأمين
16,286,540

20,091,200بضمنه: 19,721,671
استثمارات طويلة الأجل (ودائع وحسابات توفير لدى البنوك)

387,292
استثمارات قصيرة الأجل (حسابات توفير لدى البنوك)
الشركة معفية من ضريبة الدخل بموجب قانون الاستثمار
31
شركة الإخاء للتأمين




شركة أور الدولية للتأمين
1,400,000
1,000,000 بضمنه: 522,236
استثمارات طويلة الأجل (مباني وشقق)558,317 استثمارات قصيرة الأجل (ودائع مصرفية)
97,242
13
شركة جيهان للتأمين




شركة دلنيا للتأمين




شركة ستار كار للتأمين




شركة كار للتأمين




شركة كوردستان الدولية للتأمين
949,101
5,895,945
بضمنه 348,879
أسهم وسندات
143,520
4

تمثل الأرقام الواردة في هذا الجدول إجمالي ما وصلنا، ولم يردنا بيانات من الشركات الأخرى التي قمنا بمخاطبتها حتى كتابة هذه الورقة.  وكما يلاحظ فإن هناك تبايناً ملحوظاً في حجم النشاط بين الشركات.  ونأمل أن نستطيع إكمال البيانات بمعاونة شركات التأمين.

من المعروف أن شركات التأمين لا تمتلك حرية مطلقة في استثمار الأموال المتجمعة لديها إذ أن هناك قيود داخلية ترتبط بتكوين الاحتياطيات وبالتقلبات في دخل الأقساط المكتتبة، وخاصة عند انخفاض هذا الدخل، وقيود رقابية تفرض على شركات التأمين الإبقاء على هامش معين للملاءة المالية.[8]  وعلى العموم فإن المجال الاستثماري لشركات التأمين العراقية كان تاريخياً محصوراً بحسابات التوفير والودائع لدى المصارف والعقارات مع بعض الاستثمار في الأسهم والسندات.  وبالنسبة لشركات التأمين الثلاث في الجدول، فإن واحدة منها تستثمر بالأسهم والسندات.

إن ضعف تطور شركات التأمين في الإقليم ليست مسألة داخلية خاصة بالشركات فقط، إذ أن هناك عامل مهم يؤثر على حجم أقساط التأمين التي تكتتب بها (غير الطلب من قبل الأفراد)، والأصح الأقساط التي لا تكتتب أو لا تستطيع الاكتتاب بها بسبب التشريع وضعف الرقابة وغياب رؤية/سياسة لقطاع التأمين.  ويمكن تلخيص ذلك تحت عنوان تسريب أقساط التأمين خارج الإقليم.  كيف يحصل التسريب؟

منح قانون الاستثمار في إقليم كوردستان-العراق رقم 4 لسنة 2006 المستثمر الأجنبي حرية شراء التأمين من شركة تأمين أجنبية أو وطنية.  ويرد ذلك في الفصل الثالث، الضمانات القانونية، المادة السابعة، كما يلي:

أولاً: للمستثمر ان يؤمن على مشروعه الاستثماري من قبل اية شركة تأمين أجنبية أو وطنية يعتبرها ملائمة، ويتم بموجبهتأمين كافة جوانب العمليات التي يقوم بها.[9]
لاحظ أن الصياغة تُعطي الأولوية في التأمين لدى شركة التأمين الأجنبية.  وتدل الممارسة على أن المستثمر يتجنب التأمين لدى شركات التأمين المحلية إلا في حالات خاصة.

حرمان الشركات الكردية بقوة القانون من الاكتتاب بأعمال التأمين البحري-بضائع، التأمين الهندسي (تأمين كافة أخطار المقاولين وتأمين كافة أخطار النصب)، تأمين المسؤوليات المدنية، تأمين المشروع بعد انتهاء الاختبار والدخول في مرحلة التشغيل، تأمين المكاتب.. الخ.  هذه وغيرها من وثائق التأمين هي مصادر لتحقيق الإيرادات لشركات التأمين المحلية الكردية، وتوفير فرص لزيادة العمالة، وكذلك تطوير المهارات لدى العاملين في شركات التأمين للتعامل مع المطالب المتطورة للمستثمر الأجنبي.

ومن آثار هذا القانون هو حرمان خزينة الإقليم من رسم الطابع الذي يفرض على إصدار وثائق التأمين، وكذلك ضريبة الدخل على إيرادات شركات التأمين من أقساط التأمين في حال تأمينها على مشاريع المستثمر الأجنبي إذ أنه يزيد من حجم الإيرادات وبالتالي حجم ضريبة الدخل.

مثل هذه القوانين والتفكير الاقتصادي المرتبط بها لن تخدم قضية بناء وتطوير قطاع تأمين كردستاني أو عراقي.

وبالنسبة لتأمين الممتلكات والمسؤوليات القانونية والتحكم في الآبار للمشاريع النفطية في الإقليم، وهي الأكبر من حيث حجم أقساط التأمين، فإن القليل من هذا التأمين تقوم به شركات التأمين الكردية.  والحديث الدائر هو أن الأطراف الحاكمة، صانعة القرارات في الإقليم، قلّما تفكر بموضوع التأمين المتعلق بالاستثمارات النفطية الأجنبية، باعتبار أن التأمين مسألة غير ذي أهمية.  وليس هناك معلومات تفيد أن شركات التأمين قد سجلت موقفاً تجاه الموضوع كأن تدعو إلى دفع الشركات النفطية، وغيرها من الشركات، للتأمين على أصولها ومسؤولياتها لدى شركات التأمين المجازة في الإقليم.  المهم في التفكير السائد لدى الأطراف الحاكمة هو تشجيع الاستثمار الأجنبي وعدم إيلاء قطاع التأمين ما يستحقه من أهمية في اقتصاد الإقليم ودون تقدير لآثار هذا القانون وغيره على هذا القطاع.

إضافة إلى دور قانون الاستثمار في التشريع لتسرب أقساط التأمين خارج الإقليم هناك التسريب غير المرئي بفضل ضعف الرقابة على من يزاول النشاط التأميني.  نسمع أن هناك مكاتب وشركات تأمين تزاول أعمال التأمين بدون ترخيص من الجهات الرسمية في الإقليم.  ويقال إن معظمها تركية أو لبنانية توفر التأمين للشركات التركية واللبنانية التي تعمل في الإقليم وتقوم بالاكتتاب بالأغطية التأمينية في أوطانها وليس لدى شركات التأمين الكردية المجازة.  وهذه الشركات لا تسدد ضرائب ورسوم على أعمالها.

ويلاحظ غياب رؤية/سياسة تجاه قطاع التأمين ما خلا تشجيع قيام شركات تأمين طالما أن بعض أفراد الطبقة الحاكمة أو المرتبطين بها لهم حصة فيها.[10]  مثلما يلاحظ ضعف صياغة التشريعات الخاصة بالتأمين.[11]  ويمكن ربط ضعف أداء “التشريعات المالية… وتطوير المؤسسات المالية” بما جاء في الفقرة 11 من دراسة د. قدوري و د. بدر:

كما أن هناك ضعف ومحدودية في مصادر القوى البشرية المؤهلة والمتطورة وذات الخبرة اللازمة في العملية الانتاجية.

وينطبق هذا التحديد على قطاع التأمين فالقوى البشرية “المؤهلة والمتطورة وذات الخبرة اللازمة” تكاد أن تعد على أصابع اليد الواحدة.  ليست هناك إحصائيات عن حجم العمالة ونوعيتها لتقديم حكم قاطع بهذا الشأن لكن الملاحظات التالية قد تساعد في تقريب الصورة.

جيل الشباب الذي يعمل في القطاع لا يعرف اللغة العربية ومعرفة اللغة الإنجليزية محدودة، ولذلك تلجأ بعض الشركات إلى استخدام عمالة عربية أو أجنبية.  تلعب اللغة دوراً مهماً في تكوين القوى البشرية واكتسابها للمعارف اللازمة لخدمة العملية الإنتاجية إذ ان اللغة الكردية تفتقر إلى كتب في التأمين حتى أن المدير العام لأحد شركات التأمين الكردية عندما أراد وضع كتاب تعليمي في التأمين أضطر إلى كتابتها ونشرها باللغة العربية.[12]  وذكر في مقدمة الكتاب أنه استخدم في تأليف الكتاب

“لغة وأسلوبا أكثر وضوحا وبساطة ورشاقة من الأسلوب العلمي والاقتصادي الجاف، حتى يتمكن قراء اللغة العربية، الذين ليست العربية لغتهم الأم من استيعابها دون عناء.  وأعتقد بأنني تمكنت من تقريب المسائل المعقدة إلى أقصى حد ممكن.”[13]

بعد أن ذكر:

“إن المكتبة الكوردية تفتقر تماما إلى هذا النوع من الكتب.  كانت الفكرة في بادئ الأمر أن تكون اللغة الكوردية هي لغة الكتاب إلا أن خشيتي من الوقوع في أخطاء ترجمة التعبيرات التأمينية الدقيقة والمصطلحات اللغوية الخاصة بمجال التأمين منعتني من ذلك، حتى لا تأتي التعابير ناقصة ومشوهة وتبتعد عن المعنى المطلوب ..”[14]

وحتى على مستوى القيادات الإدارية لشركات التأمين الكردية فإن البعض منها ليست عراقية.  على سبيل المثل، عندما قامت مجموعة فاروق بتأسيس شركة للتأمين في السليمانية فإنها استقدمت ممارساً تأمينياً من الأردن.  وكذا الأمر بالنسبة لشركة أخرى في السليمانية فإنها استخدمت سيدة لبنانية بعد أن تركها مديرها المفوض الكردي المتمرس في العمل التأميني لأربعين سنة أو أكثر في العمل مع شركة التأمين الوطنية في بغداد.  وقل مثل ذلك عن شركة تأمين في أربيل تشكلت برأسمال كردي وعربي من خارج العراق، استخدمت ممارساً تأمينياً مصرياً بعد أن تركها مديرها المفوض صاحب خبرة تزيد عن أربعين سنة في العمل مع شركة التأمين العراقية في بغداد.  وعلى نحو ذلك شركة تأمين كردية تدار من قبل مدير مفوض يقيم في بغداد.

لنتذكر أن تاريخ النشاط التأميني في كوردستان العراق ارتبط أصلاً بفروع شركتي التأمين العامتين: شركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية (حتى أواخر ثمانينيات القرن الماضي كان اسمها شركة التأمين العراقية على الحياة).  وتوقفت هذه الفروع عن العمل بعد أن سحب النظام الدكتاتوري جميع الدوائر والمؤسسات الرسمية من الإقليم في تشرين الثاني 1991.[15]  كما ساهمت سنوات الحصار المزدوج للإقليم (الحصار الدولي للعراق وحصار النظام الدكتاتوري) في إضعاف الانتاج والتطوير ونشوء اقتصاد التهريب.  وهكذا فإن التراكم في المعرفة والخبرة التأمينية قد توقف تقريباً.  ولم تهتم حكومة الإقليم بتحسين مصادر القوى البشرية في مجال التأمين إذ أن جلّ اهتمامها كان منصباً قبل 2003 على ضمان جباية قسط التأمين على السيارات في المنافذ الحدودية كمورد لماليتها.

أفكار للإصلاح الاقتصادي: التأمين والضمان الاجتماعي

وفي القسم المعنون “أفكار للإصلاح الاقتصادي” يؤكد الكاتبان على حاجة الإقليم الى جملة من الاصلاحات والتغيرات البنيوية، ويقدمان جملة من المقترحات ومن بينها “تحديد دور القطاع العام والقطاع الخاص والاستثمار الأجنبي وآلية الاختيار” من خلال

“رسم وتبني استراتيجية واضحة وواقعية لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وينبغي على هكذا استراتيجية ان تحدد الدور الذي يمكن وينبغي ان يؤديه القطاع الحكومي … وضرورة الاستفادة من الامكانات الكبيرة (أفكار، قدرات تنظيمية، رؤوس أموال) التي يمتلكها القطاع الخاص … وبالطريقة نفسها ينبغي النظر فيما يمكن ان يقدمه القطاع الاجنبي من استثمارات لتكملة الدور الذي يؤديه القطاعان الحكومي والخاص.


ويرد اهتمامهما بالمنافع الاجتماعية المرتبطة بدولة الرفاهية ومنها التأمين الاجتماعي والضمان الصحي في الفقرة التالية:
كما ان التوجه نحو تحقيق درجة ما من العدل والرفاه لهذا الجيل والاجيال القادمة (من خلال ضمان الحق بالتعليم والعلاج والتأمين والضمان الاجتماعي)، هو من اساسيات وواجبات الدولة في كل مكان، وهذا لا يتم عبر انتهاج سياسة اقتصاد السوق فقط. ومن هنا تأتي ضرورة التأكيد على تدخل السلطات الحكومية لتحقيق وضمان تلك الحقوق.

الحق بالتعليم والعلاج الطبي والتأمين الاجتماعي جاء بفضل جهود المصلحين والحركات الاجتماعية، ورغم تعرضه للهجوم والتقويض من خلال السياسات الليبرالية الجديدة منذ ثمانينيات القرن الماضي فإن الدولة لم تتخل عن هذا الواجب.  لكن هذا الواجب صار يدار بالتوازي مع ما يستطيع القطاع الخاص تقديمه من خدمات، أي من خلال سياسات الحكومات لتسليع التعليم والتطبيب وتحويل أنظمة التقاعد من تحديد المنافع إلى تحديد مساهمة المشتركين في برامج التقاعد.

وفي الإقليم نلاحظ أن الحكومة، وهي ذات توجه ليبرالي في اعتماد آليات السوق في تقديم الخدمات العامة، شرعت بالتداول في مشروع قانون التأمين الصحي.  لكن معلوماتنا عن هذا المشروع ناقصة ولا نستطيع الحكم عليه.  والمعلومات المتوفرة عنه تدور حول العموميات – كما يرد في موقع برلمان كوردستان.[16]

ونلاحظ أيضاً دخول شركات عربية خاصة، تعمل مع شركات تأمين أجنبية متخصصة في التأمين الصحي، في تقديم خدمات ادارة اعمال التامين الطبي للمؤمن لهم من خلال التعاقد مع مقدمي الخدمات الطبية في اقليم كوردستان – العراق (مستشفيات وأطباء وصيدليات ومختبرات ومراكز طبية للأسنان والبصريات والعلاج الطبيعي ومراكز الفحص بالأشعة وغيرها من وسائل الفحص).  وهذه الخدمات هي رديفة للخدمات الطبية العامة ومقتبسة مما هو موجود في الدول الغربية المتقدمة.  وبالطبع فإن هذه الخدمات متوفرة لمن له القدرة المالية لتسديد أقساط التأمين الخاصة بها ما لم تقم أجهزة حكومة الإقليم أو الشركات التجارية بشراء هذه الخدمات التأمينية لصالح المستفيدين منها.  أي أن شرائح واسعة من الناس لا تستطيع شراء الحماية وبالتالي فهي تعتمد على ما توفره المستشفيات والمراكز الصحية العامة.

في المفاضلة بين القطاع الخاص والقطاع العام

في استنتاج مهم يؤكد الكاتبان:

وفي كل ذلك (أي ما يخص “تحديد دور القطاع العام والقطاع الخاص والاستثمار الأجنبي وآلية الاختيار”)، ومنعا لأي التباس، لابد من التأكيد على ان الدور القيادي لأي قطاع لا يجوز ان يعتمد على مُحاجة ايديولوجية، بل على أساس دراسات عيانية ملموسة تنيط بهذا القطاع او ذاك دوره الفعلي، الحقيقي، وليس الدور المفترض في اذهان صانعي الخطابات المصممة لكل المقاسات.

هذا هو الموقف العقلاني الذي يخفف من الآثار غير المنظورة للخصخصة أو التأميم أو الاعتماد فقط على القطاع الخاص طالما أن السير في بناء نظام اقتصادي رأسمالي، هجين، هو السائد، رغم الفساد والزبائنية المرتبطة به.  وبقدر تعلق الأمر بقطاع التأمين في الإقليم فإنه جزء من هذا النظام يتخلق بصفاته.  ولأن التطور المستقبلي للقطاع ليس مطروحاً للمناقشة لدى الحكومة أو القطاع نفسه، فإن دراسة واقع قطاع التأمين في الإقليم يتطلب الكشف عن المعلومات الرسمية الخاصة به، وكذلك الإحصائيات عن حجم العمالة، وأقساط التأمين المكتتبة وغيرها من البيانات كاستثمارات شركات التأمين، ومعدل الخسارة، والتعويضات المسددة والموقوفة، ورأس المال لتكوين صورة عنه مقاربة للواقع يمكن الإفادة منها في رسم خطة تأشيرية لتطوير القطاع.  وبدون ذلك يبقى التعليق محصوراً بالوصف وبالسرد ويصعب الدفاع عنه.
(*) خبير دولي وباحث في شئون التامين

حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بالاقتباس واعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. 27 آب 2015


[1] أنظر نص الدراسة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:
[2] حاولنا الاقتراب من موضوع صناعة النفط في العراق والتأمين عليها، مع بعض الإشارات إلى كوردستان، في كتابنا: وزارة النفط والتأمين: ملاحظات نقدية (مكتبة التأمين العراقي، طبعة إلكترونية، الناشر: مصباح كمال، 2014).  يمكن قراءة الكتاب باستخدام هذا الرابط:https://www.academia.edu/6476765/Ministry_of_Oil_and_Insurance_Critical_Remarks
[3] مصباح كمال، التأمين في كردستان العراق: دراسات نقدية (مكتبة التأمين العراقي، طبعة إلكترونية، الناشر: مصباح كمال، 2014)، ص 63-64.
[4] يقدر د. قدوري و د. بدر عدد سكان الإقليم اعتماداً على مصادر رسمية بحوالي (5) مليون نسمة، اي (13.6) % من سكان العراق البالغ حوالي (36) مليون نسمة.  ويقدر مصدر آخر عدد سكان الإقليم بما يزيد عن 6 مليون (http://www.bbc.co.uk/news/world-middle-east-28147263)، ويقدره مصدر آخر بـ 8,35 مليون (https://en.wikipedia.org/wiki/Irّaqi_Kurdistan).
[5] من الضروري ألا ننسى أن الطلب على التأمين ضعيف لدى الأفراد ليس فقط بسبب عدم التفكير بالتدبر للمستقبل، وهو وريث فكر اجتماعي ديني، وإنما بسبب الفقر لدى شرائح من الناس وتدني مستوى الدخل لدى شرائح أخرى بحيث يصبح موضوع التفكير بشراء الحماية التأمينية، عندما يكون الوعي بها قائماً، مسألة تدخل في خانة الترف.
[6] يمكم قراءة النص الكامل في موقع اتحاد مستثمري كوردستان باستخدام هذا الرابط:
[7] من منظور المساهمين في رأسمال شركة التأمين يمكن أيضاً دراسة العائد على رأس المال، وهو ليس ذات صلة بموضوع هذه الورقة.  للتعرف على هذا الجانب أنظر: جون هانكوك، بول هوبر، بابلو كوخ، اقتصاديات التأمين: تخليق القيمة للمساهمين في شركات التأمين، ترجمة: تيسير التريكي ومصباح كمال (بيروت: منتدى المعارف: 2015)
[8] راجع: مصباح كمال، التأمين في كوردستان العراق: دراسات نقدية (مكتبة التأمين العراقي، طبعة إلكترونية، 2014)، ص 26-28.
[9] يمكن قراءة نص قانون الاستثمار باستخدام هذا الرابط:

[10] قد يعترض البعض على هذا التقييم كونه يقوم على تعميم لكن واقع الحال هو أن شركات التأمين مملوكة لبضعة أفراد أو مجموعات وحسب المعلومات المتوفرة لم تعرض أسهمها للاكتتاب العام.
[11] راجع بهذا الشأن: فؤاد شمقار، التأمين في كوردستان العراق ومقالات أخرى، (مكتبة التأمين العراقي، طبعة إلكترونية،2014)، وخاصة فصل دستور جمهورية العراق وقانون تنظيم أعمال التأمين ورغبة سلطات إقليم كوردستان في تنظيم القطاع والإشراف عليه، 10-16، ورسالة إلى السيد رئيس مجلس وزراء حكومة إقليم كوردستان، 36-47.
[12] أنظر: نوزاد أمجد رفيق، مقدمة في مفهوم التأمين، (أربيل: منشورات شركة ستار للتأمين، 2005).  وكذلك مصباح كمال: التأمين في كوردستان العراق: دراسات نقدية (مكتبة التأمين العراقي، الناشر: مصباح كمال، طبعة إلكترونية، 2014)، ص 136-147.
[13] نوزاد أمجد رفيق، مصدر سابق، ص 6.
[14] نوزاد أمجد رفيق، مصدر سابق، ص 5.
[15] ما زالت هذه الفروع متوقفة عن العمل بسبب موقف غير معلن من حكومة الإقليم تجاهها رغم الجهود التي قيل بأن الشركتين العامتين قامتا ببذلها مع وزارة المالية في الإقليم، إلا أن الموقف والجهود لم يخرج للعلن في الصحافة مثلاً.  وهذا موضوع يستحق البحث في أسبابه الاقتصادية (منع مشاركة شركات التأمين العراقية العامة والخاصة أيضاً من التواجد والعمل في الإقليم ليظل القطاع حكراً على شركات التأمين الكردية أو الشركات التي تتمتع بمشاركة كردية في رأسمالها) وربما أسبابه السياسية أيضاً (وقف منافع وثائق التأمين الصادرة من الشركتين عن أصحابها الأكراد بحجة التبعية وربما بحجج أخرى أيام الديكتاتورية).  ويبدو لي بأن القوى المتنفذة في الإقليم لا ترغب أو حتى لا تفكر بالنظر إلى النشاط الإقليمي عراقياً، أي من منظور اتحادي – وهو ما كتبنا عنه في مقالات سابقة منشورة في مجلة التأمين العراقي الإلكترونية، مثلما كتب عنه الزميل فؤاد شمقار، التأمين في كوردستان العراق ومقالات أخرى (مكتبة التأمين العراقي، الناشر: مصباح كمال، طبعة إلكترونية، 2014)
[16] يمكن قراءة الخبر في موقع برلمان كوردستان باستخدام هذا الرابط:
ونلاحظ نفس التغطية العمومية الخالية من التفاصيل فيما يخص مشروع قانون التأمين الزراعي.  أنظر بهذا الشأن:
ولم يرد إلى علمنا أن مشروع قانون التأمين الصحي ومشروع قانون التأمين الزراعي قد نال اهتماماً من ممارسي التأمين في الإقليم أو أن اللجان المختصة في البرلمان قد استأنست بآرائهم.

تعليقات