صناعة التأمين تحت وطأة أعمار أطول وأوضاع صحية أفضل

ما من صناعة تتحمل وطأة الشيخوخة السكانية السريعة في العالم مثل التأمين على الحياة. فإلى جانب بيعها الحماية التأمينية لأفراد الأسرة ضد الوفاة المبكرة لمعيل العائلة، بنت هذه الشركات أعمالا قوية من التأمين على عمر الإنسان.
وهي تأخذ مدخرات العمال وتعد بتوفير دخل تقاعدي يمكن أن يستمر مدى الحياة. لكن مع وجود أشخاص يعيشون حياة أطول من أي وقت مضى، الأمر الأكثر أهمية على الإطلاق بالنسبة لها هو أن تتوصل إلى تقييم طول العمر على الوجه الصحيح.
يقول كيريجان بروكتر، الذي يدير أعمال التقاعد في ليجال آند جنرال: "ربما تكون شركات الأدوية الكبرى فقط هي التي تنافس مصلحتنا في فهم مسألة طول العمر".


من ناحية، يعد ازدياد العمر طولا خبرا سارا بالنسبة لشركات التأمين، لأنه يتيح لها أن تبيع الحماية ضد الوفاة المبكرة أكثر من ذي قبل بكثير وبأسعار أرخص ما في السابق. لكن بما أن المتقاعدين يعيشون أطول، فإن تكاليف الوعود التي قطعت في السنوات السابقة تهدد بقضم أرباحها.
ويقول بول كلارك، شريك التأمين في مجموعة بوسطن الاستشارية: "يغلب على المتقاعدين العيش بضع سنوات فقط بعد سن 65. إذا كان يمكن أن يعيشوا 20 أو 30 عاما أخرى، فإن إمكانية فهم الأمر على نحو خاطئ تعد أكبر من ذلك بكثير". والأسوأ من ذلك، هو أن الصناعة تشكو من الخبراء الأكتواريين (مختصون يحللون التداعيات المالية للمخاطر)، الذين يقللون من تقدير التحسينات التي تؤدي إلى إطالة العمر. ويضيف كلارك: "الماضي ليس بالضرورة مؤشرا جيدا على ما يحدث في المستقبل".
ولا يعد الحاضر ملائما بشكل خاص. فانخفاض أسعار الفائدة يعني أن شركات التأمين تكافح للوفاء بوعودها بصورة مربحة.
وبحسب بول فولتشر، المدير الإداري لهيكلة الأصول والمطلوبات في نومورا: "إذا كنت تعمل في الأعمال التي توفر ضمانات طويلة للعملاء، والناس يعيشون حياة أطول، فمن الصعب جدا أن تقوم بذلك مع عوائد منخفضة".
وتستجيب شركات التأمين للتحديات بطرق متعددة. مثلا، تطالب بتفاصيل أكثر حول نمط الحياة، مثل ممارسة الرياضة وأنماط استهلاك الكحول. وهي تستخدم أساليب "البيانات الكبيرة" المتطورة لتقييم متوسط العمر المتوقع، بحيث تكون أكثر تفصيلا في تقييم مخاطر كل صاحب معاش، ثم تدخِل هذه الاعتبارات في السعر.
إلى جانب ذلك تحول الصناعة أيضا المخاطر إلى أطراف ثالثة. فقد وجدت أن المؤسسات المالية والمستثمرين على استعداد لاتخاذ الجانب الآخر من المقامرة، من خلال منتجات مثل مقايضات طول العمر.
والقواعد التنظيمية تلزم شركات التأمين بإعادة التفكير في نماذج الأعمال الخاصة بها. ومتطلبات رأس المال الأكثر صرامة تجعل الأمر أكثر تكلفة من أي وقت مضى بالنسبة لشركات التأمين، لتحمل مخاطر طول العمر.
وعلى مدى العقد الماضي انتقلت هذه الشركات من تحمل مثل هذه المخاطر نيابة عن حاملي البوالص إلى إدارة الأصول الاستثمارية. مثلا، ستاندرد لايف، وإن كانت لا تزال تعد رسميا إحدى شركات التأمين، إلا أن من المتوقع أن تولد في العام المقبل نحو 10 في المائة فقط من إيراداتها من المنتجات التي تنطوي عليها المخاطرة في ميزانيتها العمومية.
ومن المتوقع لهذا الاتجاه العام أن يتسارع، لا سيما في المملكة المتحدة، بعد تغييرات تنظيمية تعطي المدخرين مزيدا من المرونة في استخدام مدخرات التقاعد.
وعلى الرغم من أن التحديات هائلة، إلا أن السكان المسنين يوجدون فرصا أيضا: من المتوقع أن يتقلص معدل العاملين إلى المتقاعدين أكثر من النصف على مدى السنوات الـ35 المقبلة – من 4 إلى 1 ليصبح أقل من اثنين إلى واحد، كما تقول ليجال آند جنرال.
ومع وجود عدد أقل من العمال المتاحين لتمويل مخططات الدولة والمعاشات التقاعدية الخاصة للأشخاص الذين تقاعدوا بالفعل، سوف يحتاج أولئك الأشخاص الذين لا يزالون في العمل إلى توفير المزيد من الجهد لضمان حصولهم على الدخل عند التقاعد. وشركات التأمين تعول على زيادة المدخرات لتغذية أعمالها المتنامية في إدارة الاستثمارات.
ويتوقع تنفيذيو التأمين أيضا أن تنظر الحكومات إلى الصناعة في الوقت الذي تكافح فيه من أجل دفع الفاتورة المتزايدة للرعاية والصحة وغيرهما من الخدمات التي توفرها للمسنين، وكذلك المعاشات.
ويقول نيد كازالت، مستشار الخدمات المالية: "إذا كانت الأمور سيئة الآن، ما هو الحال الذي ستكون عليه بعد عدة سنوات؟". ويضيف: "أعتقد أن المستهلكين سيصابون بالتوتر".
الشركات هي أيضا تشعر بالقلق، لأن تقديمها وعودا بوجود استحقاقات تقاعدية سخية، جعل عديدا منها يبحث عن منتجات لإدارة مخاطر طول العمر. ويمكن لهذه أن تكون فرصا مربحة لصناعة التأمين.
ويقول كازالت: "أنا لا أعتبر أن مخاطر طول العمر مشكلة كبيرة بالنسبة لشركات تزويد التأمين، بالرغم من أنه يتعين عليها أن توازن حساباتها على الوجه السليم". ويضيف، "هناك حاجة هائلة من العملاء، فالناس سيعيشون وقتا طويلا، وسيحتاجون إلى وضع أموالهم وتشغيلها".

أليستر جري من لندن

تعليقات