كيف يتم التعامل مع الكوارث فى الدول العربية؟ محمد ابراهيم

أدت متابعة المشاهد المأساوية التى نتجت عن كارثة أمواج المد البحرى المعروفة بإسم "تسونامى" فى جنوب شرق آسيا، إلى صدمة داخل كل الدول، إذ وجد الجميع أنفسهم مرة أخرى فى مواجهة سؤال يتكرر إثر وقوع كل كارثة كبرى، يتعلق بمدى استعداد الدول للتعامل مع مثل تلك الكوارث المدمرة، خاصة وأنه قد أتضح أن الكثيرين لم يكونوا بمنأى عنها، رغم وجود آلاف الأميال التى تفصلهم عن مركز الزلزال، ومنها بالطبع الدول العربية.
إن إجابة هذا السؤال قد تبدو واضحة، فعلى الرغم من أنه فى داخل معظم الدول العربية، فى كل وقت تقريبا، توجد دورة دراسية تنظم فى مكان ما تحت إسم "إدارة الأزمات" التى تعنى فى واقع الأمر "إدارة الكوارث"، بحيث لم تعد هناك قيادة إدارية عليا ذات أهمية لا تعرف جيدا كل شئ عن الموضوع، فإنه عندما تقع الكارثة فعليا، يتم أحيانا اكتشاف وجود مشكلة حادة تتعلق بعدم القدرة على التعامل معها عمليا، ولا يزال هذا الوضع مستمرا فى كثير من الدول، على الرغم من إدراك الجميع له، فثمة مشكلة إذن.

- النماذج النظرية
إن نسق مجابهة الكوارث واضح تماما من الناحية النظرية، وهناك إلمام كبير به، وبتطبيقاته، فالكارثة كما هو معروف، هى الحدث الذى تترتب عليه آثار مدمرة وتنتج عنه وفيات وإصابات ولا يمكن وقف آثاره تماماً، بل وقد تمتد آثاره للمستقبل، والكوارث بعضها طبيعية مثل الزلازل والسيول والأعاصير والفيضانات وبعضها نتيجة فعل الإنسان وتدخله غير الرشيد فى التوازن الطبيعى، والغرض من التعبئة العامة للتعامل مع الكوارث هو توظيف كل الإمكانيات لمواجهة الكارثة والحد من آثارها المدمرة، ويعنى وقوع الكارثة وضع النظام أمام أزمة تحتاج إلى آلية خاصة للتعامل معها والسيطرة عليها ومعالجة ما ينتج عنها.

ولا توجد مشكلة فى تحديد عناصر ذلك النسق، فهو يتألف بصورة عامة مما يلى:
1-
مصادر حصر الكوارث المتوقعة، وهى الكوارث التى وقعت لأنظمة مماثلة محلياً ودولياً، والخبرات الشخصية المكتسبة والتوقعات العلمية المبنية على فهم الإشارات التحذيرية والتحليلات العلمية.
2-
ترتيب الأزمات المتوقعة، ويتم ترتيب الأزمات المتوقعة بعد حصرها حسب قيمتها الاحتمالية وحجم الخسائر والأضرار البشرية والعادية الناتجة عنها، وعمل سجل للأزمات.
3-
مراحل السيطرة والتعامل مع الأزمات المتوقعة، وهى مراحل الاستكشاف، ومراحل إعداد السيناريو للتعامل مع الأزمة ومرحلة الاحتواء ومنع الانتشار ومرحلة إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه و مرحلة تقييم الإنجازات.

ومن أجل الاستعداد لمواجهة الكوارث الطبيعية (زلازل، سيول، أعاصير) تعتمد خطة إدارة الدفاع المدنى والحريق للتعامل مع هذه الكوارث على:
أولاً: الإعداد المسبق للإمكانيات المتاحة من تحديد أماكن تواجدها وكيفية تجميعها واستخدامها الأمثل بوسائل إدارة مواجهة وكوادر وأطقم مدربة.
ثانياً: تحديد الآثار الناتجة عن الكوارث الطبيعية المحتملة والتى سيقوم الدفاع المدنى بالتعاون مع الأجهزة المحلية فى مجابهتها وهى الانهيارات ووجود أشخاص تحت الأنقاض أو نشوب الحرائق المتنوعة أو عزل أشخاص بأماكن يصعب الوصول إليها أو الخروج منها نتيجة السيول. 
ثالثا: كيفية المواجهة الصحيحة والتعامل المباشر مع آثار الكارثة واتخاذ الإجراءات الكفيلة للحد من آثارها ومنع انتشارها إلى مناطق أخرى.

-
جهاز الكوارث
ولتطبيق كل ذلك، توجد توصية دائمة فى كل الكتابات تتعلق بما يسمى "جهاز إدارة الكوارث"، الموجود فعلا فى بعض دول العالم، فحيث أن خصائص حالة الكوارث تمثل تهديداً للمصالح القومية، بالإضافة إلى وجود عناصر المفاجأة فى التوقيت وقصر الوقت المتيسر، وكذا المفاجأة فى المكان الذى وقعت به الكارثة، ثمة حاجة لإقرار آليات تسمح بمواجهة الكوارث واتخاذ القرارات بصورة سريعة وحاسمة ومركزية لا تعوقها القواعد الروتينية والبيروقراطية وتتخطى حواجز التسلسل الإدارى واستقلالية الجهات المختلفة باختصاصاتها، كما تتخطى اللامركزية واستقلال محافظات بإمكانياتها. 
وما يتم التوصية به عادة هو إنشاء جهاز متخصص لإدارة الكوارث على مستوى الدولة للسيطرة على أنشطة الدفاع المدنى، مع تحديد أسلوب العمل فى مختلف مراحل الكارثة (مرحلة ما قبل وقوع الكارثة، ومرحلة أثناء وقوع الكارثة، ومرحلة ما بعد وقوع الكارثة) مع إقرار آلية عمل تكفل تحول هذا الجهاز فوراً فى مرحلة وقوع الكارثة أو فى حالة توقع وقوعها إلى جهاز ذى موقع قيادى بالنسبة لمختلف أجهزة الدولة، بحيث تكون له سلطات واختصاصات تجاوز التقسيمات الإدارية. 
لكن كل ذلك لا يحدث، ويبدو أحيانا أن من الصعب أن يحدث. لذا فإنه عندما تقع الكارثة يسود الارتباك، فلا يوجد من أنيطت به من قبل مسئولية إدارتها خارج أجهزة الدولة المعتادة، وعادة ما تتحرك القوات المسلحة للتعامل مع المشكلة إلى أن تتضح الأمور، التى قد لا تتضح.

-
ثقافة الكوارث
من هنا تبدأ المشاكل، فهناك فى كل دولة عربية عدة أجهزة بمسميات مختلفة تعمل فى إطار مهام الدفاع المدنى، لكنها أجهزة بيروقراطية تتسم بكل الملامح التقليدية، التى تثير مشاكل معوقات العمل فى مجالات الدفاع المدنى فى المنطقة العربية كالتنسيق وتعدد التبعيات والتخصص الفنى، كما يؤدى التباعد الزمنى بين وقوع الكوارث، إلى استرخاء تلك الأجهزة، على نحو يجعل حركتها ثقيلة للغاية، تضاف لذلك نقطتان تتصلان بثقافة مواجهة الكوارث المهيمنة داخلها، هما:
1 -
أن فكرة التنبؤ بالأزمات عبر إنذار مبكر يتيح الاستعداد لها من خلال تحديد سيناريوهات معينة واعتمادات مالية وجهات جاهزة للتحرك لا وجود لها، فعلى الرغم من وجود خرائط تفصيلية أحيانا لطبيعة المخاطر التى تواجه المناطق المختلفة فى الدول، كغرق السفن فى المناطق الساحلية، أو إنهيار الجسور فى المناطق الزراعية، أو السيول فى المناطق الصحراوية، أو مشكلات المبانى والمرافق والخدمات فى المدن، فإن الكوارث تبدو دائما وكأنها تفاجئ الجميع.
إن لدى بعض المنظمات ثقافة أو بيئة نفسية لا تدعم اكتشاف إشارات الإنذار، وتميل المنظمات ذات المعتقدات الثقافية السلبية إلى تبرير عدم الحاجة لنظم الإنذار من خلال إن المنظمة محصنة ضد التهديدات الخارجية ونقاط الضعف الداخلية، ويقبل المديرون المخاطرة بانتظار الأزمات، وأنه لا ضرورة لتبادل المعلومات مع مختلف الأطراف ذات العلاقة بالمنظمة، كما تقوم المنظمات بمعاقبة من يشير إلى وجود نقص أو عيب أو تصور فى جانب من جوانب المنظمة، وتميل إلى التقليل من أهمية مشاعر العاملين إزاء التهديدات أو عدم التأكد أو مشاعر الخوف وهى من الأمور الطبيعية عندما تقع الأزمة.
2 -
انتشار ظاهرة حجب المعلومات، فى ظل سيطرة النمط البيروقراطى والبعد عن العمل الجماعى، الأمر الذى قد يوجد صورا خاطئة فى ذهن أفراد المؤسسات أو معتقدات غير صحيحة بشأن مناعة المؤسسة ضد الأزمات أو القدرة على اكتشاف الإنذار، وتعوق هذه المعتقدات قدرة الأفراد على التفسير الصحيح لعلامات الإنذار المبكر وتشخيص وجود الأزمة. يضاف لذلك، افتقار المديرين أو المؤسسات إلى المقدرة أو الميل إلى الاستجابة بطريقة مناسبة للخطر، وعدم قيام المؤسسات بإعادة تقييم موقفها من اكتشاف علامات الإنذار المبكر من خلال التعرف على قدراتها القائمة.
لكن الأهم أن مشكلات واسعة النطاق تظهر عند التعامل مع الكوارث التى تقع بالفعل، والتى يكون الهدف الواضح بشأنها هو تقليص الخسائر، وأعمال الإنقاذ، واحتواء الموقف، واستعادة الأوضاع الطبيعية، كعدم التنسيق بين الجهات التى يفترض أن تواجهها، فى ظل التعددية الواسعة لها، والتنافس الشديد والحساسيات وإزاحة المسئوليات فيما بينها أحيانا، مع قصور فى الكفاءة الإغاثية والفعالية فى العمل أحيانا، لدرجة أصبحت معها بعض منظمات المجتمع المدنى تتحرك أحيانا بأسرع من الأجهزة المختصة.

-
المعوقات
خارج المؤسسات، هناك أيضا معوقات للعمل تواجه إدارات الدفاع المدنى فى الدول العربية، وتتعلق ببنية الدولة ذاتها، وهى أمور يمكن اكتشافها ببساطة لدى وقوع أى حادث كبير، خاصة داخل المدن، على غرار ما يلى: 

-
سوء حالة الطرق فى بعض البلدان العربية مما يعوق حركة المرور خاصة فى حالات الإطفاء والطوارئ الأمر الذى يؤدى لتفاقم حجم الحريق أو الكارثة. 
-
عدم تناسب ضغط المياه فى حالات الحريق الكبرى وانقطاع المياه بمناطق الحريق فى بعض الحالات مما يزيد من عبء ومضاعفة جهد رجال الإطفاء، وكذلك يؤدى ضعف أوانعدام توعية المواطنين، وكذلك سوء تصرفهم فى الكوارث وغيرها إلى فداحة الخسائر.
-
إقامة العشوائيات فى الأماكن المعرضة للأخطار دون الرجوع إلى الجهات المختصة كمصالح الدفاع المدنى باعتبارها جهة فنية، مما يكبد الدول جهداً بشرياً واستهلاك معدات كان يمكن الاستغناء عنها فى حالة التنسيق مع الإدارات الفنية. 
-
تنازع الاختصاصات ومحاولة إظهار دور كل جهة لأجهزتها وقت إدارة الكارثة دون الالتفات إلى أهمية معالجة المشكلة بموضوعية، الأمر الذى يترتب عليه تضارب الخطط وأساليب المكافحة والإنقاذ والخروج للشكليات وإثبات الوجود السطحى وليس الفعلى. 
-
عدم الالتزام باشتراطات الوقاية فى ممارسة ومزاولة بعض الأنشطة بل من الممكن تأسيس المنشأة دون تنفيذ لاشتراطات من الأصل مع إمتناع بعض المستثمرين عن شراء معدات الأمان باعتبارها مصروفات مفقودة نظراً لارتفاع أسعار تلك المعدات. 
-
عدم مراعاة شروط التخزين خاصة فى المصانع والمنشآت الكبرى نظراً لعدم استمرارية المختصين من الدفاع المدنى بالتفتيش المستمر على تلك البنايات. 

إن تيارا رئيسيا بين العاملين فى هذا المجال فى الدول العربية يشير إلى أن المشكلة عامة، وأنها لا تقتصر على الدول العربية، فالتحقيقات التالية لأحداث 11 سبتمبر داخل الولايات المتحدة أثبتت أن هناك جوانب قصور كبرى فى أساليب عمل مؤسسات دولة كبرى تتمتع بإمكانيات هائلة، وأن مأساة موجات المد الأخيرة فى المحيط الهادى توضح أن غضب الطبيعة قد يأتى بأعنف من قدرة البشر على التعامل معه، حتى بالنسبة لدول كنمور آسيا، لكن هذا التيار ذاته يؤكد أن قدرة الدول العربية على استيعاب التداعيات السلبية لمثل هذه الكوارث تظل أقل من الجميع، ربما باستثناء إفريقيا جنوب الصحراء. 

تعليقات