أليانز تنشر دراسة لخريطة البواخر الغارقة عالمياً في العقد الأخير

يعتبر البحر أكثر سبل النقل المعروفة أمنًا بعد الطيران، رغم ذلك شهد العالم غرق 94 باخرة في العام الماضي فقط، ما دفع شركة "أليانس" للبحث في أسباب ذلك، خاصة بعد حادثة العبّارة الكورية، وفي أسباب تركز معظم حوادث غرق السفن في بحار آسيا.

أثار غرق الباخرة الكورية الجنوبية "سيوول"، وعلى متنها 476 راكبًا، بينهم 339 تلميذًا ومعلمًا، كانوا يقضون رحلة ترفيهية، الكثير من التساؤلات حول أمن النقل البحري، وأسباب حصول مثل هذه الكوارث. وقد نجحت فرق الإنقاذ في انتشال 174 حيًا، لكن أكثر من مئتي إنسان، بينهم الكثير من الأطفال، باتوا ضحية أخطاء قد يتحمّل البشر وقوعها أكثر مما تتحمل الطبيعة ذلك.
نشرت شركة "أليانس" للتأمين، قسم التأمين البحري، تقريرًا حول غرق البواخر في العقد الأخير، يكشف أن حوادث غرق السفن لم تقلّ كثيرًا، رغم تحسّن وسائل الملاحة، وتقنيات استكشاف الكوارث الطبيعية، ورغم تطور كفاءة فرق الإنقاذ.
وأحصت الشركة، وفي ضوء معطيات شركات التأمين الأخرى، غرق 94 باخرة في العالم خلال عام 2013. وعمومًا غرقت 1673 باخرة في بحار العالم خلال الفترة بين 2002-2013، وكان عدد بواخر نقل الركاب بينها يبلغ 99 باخرة.
يشير التقرير إلى مواضع الخطر في بحار العالم، والتي تشي بالأخطاء البشرية المرتكبة، كما إنه يشير إلى الإجراءات اللازمة لتأمين طرق الملاحة البحرية على صعيد عالمي مستقبلًا، ذلك أن المهم هو مواجهة تفاقم الحالة في البحار الآسيوية، وتفادي تركز معظم حوادث غرق السفن في هذه المناطق.



خريطة للبواخر الغارقة
تولى خبراء "أليانس" رسم مواقع غرق السفن على الخرائط الإلكترونية خلال العقد السابق، حيث تظهر الخرائط بما لا يدع مجالًا للشك أن بحار آسيا هي أخطر على البواخر من غيرها، لأسباب تتعلق بالتغيرات المناخية السريعة، أو بالأخطاء البشرية المرتكبة، بحيث تدفع شركات التأمين البحري ثلث التعويضات الملزمة بها إلى الشركات في آسيا، وهذا تعبير عن تركز الحوادث في هذه القارة المزدحمة بالسكان.
تظهر الخرائط أيضًا أن أخطر البحار على السفن كانت بحار جنوب الصين والهند الصينية وأندونيسيا والفيليبين، وتم رصد غرق 18 باخرة في هذه المناطق خلال 10 سنوات، تلي تلك البحار، بحار اليابان والكوريتين وشمال الصين بعدد 17 باخرة غارقة، هذا فضلًا عن 8 بواخر نقل ركاب، تم إعلانها كبواخر"مختفية"، خمس منها قرب شواطئ آسيا المذكورة، وعشرات البواخر الآسيوية التي تعرّضت لحوادث لم تنهض منها، وتعاملت شركات التأمين البحري معها كـ"خردة" لا تستحق ركوب البحر من جديد.
الشيء الإيجابي الوحيد هو أن عدد البواخر الغارقة خلال العقد الماضي لم يرتفع، بل انخفض عام 2013 (94 باخرة) بنسبة الخمس عن عام 2012. وعمومًا كان المعدل تحت 100 باخرة تغرق كل عام، وهو معدل تنبغي المحافظة عليه، لأن شركات التأمين البحري لا تقرع جرس الإنذار إلا عند تخطي هذا الرقم.


حوادث مرورية بحرية
كما تشير خريطة الكترونية وضعها خبراء في الملاحة البحرية وحوادث النقل البحري، إلى الحوادث التي تعرّضت لها البواخر على المستوى العالمي، وإن لم تسفر عن غرق هذه البواخر، وكان شرق البحر الأبيض المتوسط أكثر مناطق تلك الحوادث، تليه بحار اليابان، وحصلت في شرق البحر المتوسط، وفي مياه البحر الأسود 464 حادثة بحرية، مقارنة بنحو 180 حادثة بواخر حصلت في بحار اليابان والكوريتين.
بالرغم من كل هذه الحوادث، فقد حققت شركات التأمين البحري ما يكفي من الأرباح، لأن التعويضات التي دفعتها بسبب حوادث الغرق والحوادث الأخرى انخفضت أيضًا بنسبة 45% عام 2013 عن العام الذي سبقه. وربما ستضطر شركات التأمين البحري إلى دفع تعويضات ترتفع إلى 300 - 400 مليون دولار للباخرة "مول كومفورت"، التي غرقت في صيف العام الماضي، إذ كانت هذه الباخرة الضخمة محمّلة بـ 4382 حاوية كبيرة.

لاستحداث صندوق أسود
تحدث راهول خانا، المسؤول عن تخمين المخاطر في شركة إليانس، عن عدد كبير من شركات النقل الصغيرة والمتوسطة في آسيا، وهي شركات لا تنطبق عليها الشروط العالمية للنقل البحري، وتجدها غير ملزمة بالالتزام بالمعايير الدولية. وسبق للخبير خانا، الهندي الأصل، أن قاد ناقلات النفط الضخمة طوال 14 سنة، عبر مختلف بحار العالم، قبل أن يستقر كخبير في شركة أليانس.
لذلك يقول خانا إنه على البواخر الكبيرة التي تنقل البضائع والبشر عبر المحيط الهندي أن تلتزم بالمعايير الدولية، التي تمتد بين برمجة الملاح الآلي ومراقبة الأجواء بالتقنيات الحديثة، واستخدام الكاميرات لرصد المخاطر في البحر، واستخدام "الصندوق الأسود" على غرار الطائرات، لكن باخرة لنقل الركاب بين جزيرتين فيليبينيتين لا تجد نفسها ملزمة بذلك. وتنطبق على هذه البواخر الشروط الوطنية أكثر من العالمية، وربما من الأفضل إجبار هذه البواخر على الالتزام بالتعليمات الدولية.

تآكلها يرفع التأمين
السبب الآخر لارتفاع عدد الحوادث في آسيا، بحسب راهول خانا، هو أن البواخر والعبّارات الآسيوية المحلية تتأخر 50 سنة عن نظيراتها في أوروبا من ناحية التقنيات والجودة والسنّ. لهذا، نجد أن حصة بواخر آسيا من التعويضات عن الغرق، والتعرّض للحوادث، هي الأعلى في العالم. وهذه "نكبة" تتحمّلها شركات التأمين البحري، التي تجازف كثيرًا عند التأمين على مثل هذه البواخر المتآكلة.
ولاحظ خانا أن حركة النقل البحري في بحار آسيا قد تضاعفت في العقدين الأخيرين، وأصبحت البحار مزدحمة بعدد كبير من البواخر المختلفة الحجم، والمختلفة السن، والمختلفة الجنسيات. ويعود سبب ذلك إلى انتعاش الاقتصاد الآسيوي وارتفاع معدلات التبادل التجاري مع بقية القارات.

التقلبات الجوية زادت
يمكن، بشيء من التحفظ، القول إن الأجواء في بحار آسيا لا تأتي دائمًا بما تشتهي سفنها، كما تفعل بحار العالم الأخرى. ويرصد تقرير أليانس أن الأنواء المتقلبة لعبت دورًا مهمًا في حصول 75 في المائة من حوادث غرق البواخر عام 2013.
وكانت هذه النسبة تزيد 47% عليها في عام 2012، وترتفع عن المعدل بين 2002-2013 بنسبة 44%، لكن واضعي التقرير لم يشيروا إلى ما إذا كانت لعامل الجو علاقة بالتغيرات المناخية التي تسببها العوامل البيئية، مثل ارتفاع درجة حرارة مياه البحار، ومشكلة ثقب الأوزون، وغيرها من المشاكل.

تيتانيك جديدة
النكبات البحرية لن تتوقف، بعد حادثة الباخرة الكورية الجنوبية، طالما بقيت الأسباب من دون معالجة. وقال خانا إنه لا يستبعد وقوع كارثة "تيتانيك" جديدة في ظل الشروط السائدة في الملاحة البحرية في آسيا. إذ ينبغي قبل كل شيء تجديد البواخر في آسيا، واعتماد معايير متشددة أكثر في تدريب وتخريج ربابنة السفن، وتطوير تقنيات البواخر في الرصد والقيادة الآلية، ومن المهم أيضًا تزويد كل البواخر بصندوق أسود، يمكن الرجوع إليه، عند تعرّض البواخر للغرق، بغية التعرف إلى أسباب الحادث.
أنهى خانا مداخلته بالقول: "كما ينبغي على بواخر النقل، ونقل الركاب على وجه الخصوص، أن تطلع الركاب على حالة الجو مسبقًا، كما يجري في الملاحة الجوية. ودعا خانا إلى وضع "قائمة سوداء"، يجرى تجديدها باستمرار، لتحذير الركاب من البواخر المتهرئة، والأخرى التي لا تلتزم بالمعايير الدولية.

ماجد الخطيب

تعليقات