قرار الغاء هيئة التأمين - زيد اللوزي

التأمين هو أحد الأدوات الأساسية في النظام الاقتصادي الحديث، على قدم المساواة مع القطاع المصرفي، والاقتصاديات الناضجة مرتبطة جوهريا بوجود قطاع تأمين قوي وثابت، وفي الأردن فإن اقتصادا يمر بمرحلة تحول، ويطمح لأن ينتمي للإقتصادات الواعدة أو الناهضة عليه أن يبذل جهودا واسعة من أجل تطوير قطاع التأمين، وأن يرتفع بسوية أدائه، وكانت هيئة تنظيم القطاع التي تلعب الدور نفسه الذي يؤديه البنك المركزي بالنسبة للمصارف العاملة، خطوة في هذا الاتجاه، ولكن يبدو أن الهيئة كانت الحلقة الأضعف في غزوة الحكومة على الهيئات المستقلة، والمفارقة، أن ترحل هيئة التأمين تحت حجج واهية، ويترك وراءها قطاعا كبيرا بمشاكله وأزماته، بينما تبقى هيئة تنظيم العمل الإشعاعي والنووي وكأن الأردن بلد يبيع القنابل النووية في السوبرماركت.

يجب الوقوف على حقيقة مهمة وهي أن قطاع التأمين في الأردن يعاني تاريخيا من مشكلات كثيرة، وكانت المنافسة غير المنضبطة، وغياب الوعي التأميني لدى الغالبية العظمى من المستفيدين، وكذلك الممارسات الخاطئة داخل بعض الشركات، هي مجرد عناوين عريضة، بينما كان يحتاج القطاع إلى مواجهة العديد من التحديات والاستحقاقات ليتطور، ويؤدي الدور المأمول، وهو الأمر الذي استدعى وجود الهيئة لتضم الكوادر الأردنية الخبيرة في مجال التأمين، وهي كوادر يتم استقطابها من القطاع الخاص وضمن شروطه، وبذلك استطاعت الهيئة أن تستقطب مجموعة من أفضل الممارسين للتأمين، وأصحاب الخبرة الواسعة، القادمين من مجال العمل الميداني، والمطلعين بعمق على مشاكل القطاع، وبدأت تحت قيادتهم تجربة نموذجية تمكنت من العمل على تصحيح العديد من أوجه الخلل، وتمهيد أرضية يمكن للقطاع أن ينهض عليها، ولكن وجهة النظر الحكومية، التي ترى في التطور بناء على نظام الدرجات والأقدمية، وعقلية الجمود على اللوائح وإدمان اللجان، والقرارات السريعة الشعبية في مواجهة الاستراتيجيات طويلة المدى، لم تتمكن من المحافظة على هذه الكوادر، وأخذت تقارنهم بموظفي القطاع الحكومي وتطالبهم بأن يخضعوا لشروط العمل الحكومي، فكان القرار الذي جرى بصورة مجحفة، بضم الهيئة كمديرية في وزارة الصناعة والتجارة.

الهيئة تمكنت في سنوات عملها من القيام بالعديد من المنجزات المهمة، وكان في أولها أن مثلت الخط الأول للدفاع عن حقوق المستفيدين من التأمين، فكانت الجهة التي يمكن اللجوء إليها للشكوى والبت في صحة اجراءات وتصرفات شركات التأمين، بدلا من الوقوع في حبائل التقاضي الطويلة المدى، والتي تستطيع شركات التأمين المضي فيها إلى النهاية مستندة على وجود دوائر قانونية خبيرة ومختصة، بينما المواطن العادي لا يمكنه من ناحية الوقت والمال، أن يكون ندا لأي شركة تأمين، وبالتالي فهو يذعن مبدئيا لشركة التأمين، وذلك الاختلال عملت الهيئة على تصحيحه، فكانت من حيث الأساس وبصورة وقائية تفرض اجراءاتها الرقابية والتنظيمية التي تساعد على الاستفادة من خدمات التأمين بصورة صحيحة وعادلة بالنسبة للجميع، كما أن الهيئة في المقابل عملت على تطبيق الرقابة الحثيثة على شركات التأمين، وتمكنت من ضبط مجموعة من الممارسات الخاطئة للإدارات في عملها التأميني والاستثماري، وحماية حقوق المساهمين من القرارات الخاطئة التي تتصف بالأثر الجسيم على مصالح المستثمرين في شركات التأمين، وكانت تفرض تطبيق أفضل الممارسات المتبعة عالميا.

التجربة الأردنية كانت داعيا لتطبيق فكرة الهيئة مع الكثير من خبراتها، في العديد من الدول العربية، ومنها الإمارات العربية، التي تضم اقتصادا متقدما بما يشتمل عليه من أدوات وحلول، وكانت التجربة في الأردن قائمة على مجموعة من خبرات القطاع التي استقطبتها الحكومة، وهي وضعت مستقبلها من أجل تنمية القطاع لإيمانها بهذه الضرورة، وكان ذلك له كبير الأثر في تدعيم القطاع ورفع سويته على المستوى العالمي، وهو الأمر الذي يكتسب حساسية وأهمية كبيرة لدى الشركات المختصة بإعادة التأمين، وكان الأمر يؤدي إلى تمكين الشركات الأردنية إلى تخفيف مخاطر عملها في الأردن من خلال ترحيله إلى شركات تأمين عالمية كبرى، وبمقابل رسوم معقولة، وهذه الشركات كانت تقيم بجانب الشركة الأردنية، القطاع بشكل عام في الأردن، ومدى تداخل وسيطرة الجهة الرقابية، واليوم بعد إلغاء الهيئة، فإن الشركات المعنية بإعادة التأمين ستعمل على إعادة النظر في التسهيلات الممنوحة للشركات الأردنية، ومستوى الأسعار التي تقدم بموجبه خدماتها، وهو ما سيؤثر سلبا على القطاع في الأردن.

هل يمكن أن تقوم المديرية بنفس الدور الذي أدته الهيئة؟ هذه مسألة تبدو الإجابة عليها سلبية للغاية، فالمديرية ضمن الشروط القائمة في وزارة الصناعة والتجارة لن تكون قادرة على استقطاب الخبرات اللازمة في المجالات التأمينية والقانونية المرتبطة بها، عدا عن الخبرات المطلوبة في مجالات الحسابات والميزانيات والاستثمار، كما أنها ستقع تحت طائلة روتينية العمل الحكومي، ولن تتمكن من إدارة قطاع كبير لا ينتهي عند البوليصة التأمينية، وإنما يمتد لجميع الجوانب القانونية والإجرائية الخاصة بوكلاء التأمين، وإجراءات العلاقة التأمينية، وما إلى ذلك، وكذلك ستغوص المديرية في مشاكل التأمين الإلزامي الذي كانت الهيئة تمكنت من قطع أشواط على طريق تصحيح مساره، وغالبا، سيقتصر دور الهيئة على التراخيص ومسألة تأسيس شركات التأمين، وهو الدور الذي لا يؤدي إلى تطوير القطاع، وتصحيح الأوضاع المختلة فيه، وإنما يغرق قطاعا تعرض لأزمات متتابعة، وكان يحتاج بالفعل إلى المساندة والدعم.

تعليقات