من المسؤول عن سماسرة التأمين ؟ ماهر الحسين

لدى دراسة هيكلة أي سوق تأميني سواء كان في الدول المتقدمة أو الدول النامية على حد سواء، نجد أن قطاع التأمين عادة ما يضم مؤسسات وأفراد يشكلون حلقة متكاملة تنتهي بتقديم خدمات تأمينية للمؤمن لهم والمواطنين حيث تضم هذه الحلقة كل من شركات التأمين، شركات إعادة التأمين، وكلاء التأمين، وسطاء التأمين ومسوي الخسائر والمعاينين وبعد التمحيص والبحث تبين عدم وجود تسمية تدل على (سمسرة التأمين) بأي من الاسواق التأمينية بالمفهوم المعمول به في سوق التأمين الأردني، العربي او حتى العالمي.

ان هذا المقال جاء بهدف تسليط الضوء على هذه المهنة الدخيلة التي ظهرت مؤخراً في السوق المحلي أدت إلى زعزعة ثقة المواطن بقطاع التأمين وشركات التأمين في الوقت الذي يبذل فيه الاتحاد والشركات وهيئة التأمين جهود كبيرة وجبارة للتعريف بدور شركات التأمين في بناء وحماية الاقتصاد المحلي وتوفير التغطية التأمينية للمتضررين عند وقوع الضرر لا سمح الله من خلال وجود جهة مليئة مالياً تلتزم بدفع قيمة التعويضات للمتضرر وفقاً لشروط الوثيقة من خلال عقد العديد من الندوات والدورات والمؤتمرات ونشر العديد من المقالات لتوعية الجمهور بدور التأمين.

لقد وصل للاتحاد وهيئة التأمين العديد من الشكاوى حول ممارسات سماسرة التأمين وبشكل خاص في مناطق ترخيص المركبات من خلال تواجدهم بأعداد كبيرة والتجمهر حول أصحاب المركبات لتضليلهم والاحتيال عليهم لاستيفاء مبالغ مالية أعلى من أقساط أو أسعار التأمين التي حددتها شركات التأمين أو حتى أسعار التأمين الاجباري (الالزامي) المحددة من قبل الدولة ضاربين بعرض الحائط كل القوانين والأنظمة والتعليمات التي تحظر عليهم ممارسة هذه المهنة لحين تجذرت هذه المهنة بكل سيئاتها في مناطق الترخيص وعجزت الجهات الحكومية الرقابية والأمنية عن الحد من ممارستهم أو ردعهم لأسباب يعلمها كل العاملين في القطاع حيث أنه يقوم على هذه المهنة عصابات من ذوي الأسبقيات والقيود الأمنية حتى أصبحت بلطجة وفتوة ويعملون بالاستقواء على أرزاق الناس والاحتيال عليهم دون وجه حق، الأمر الذي دعا العديد من الكتاب إلى اجراء تحقيقات أو كتابة مقالات عن هذه الممارسة التي تؤرق جميع العاملين في مناطق الترخيص بسبب السرقة والنصب والاحتيال على المواطنين ولكن للأسف من يدفع فاتورة هذا الاحتيال ويحصد السمعة السيئة هو قطاع التأمين علماً بأن شركات التأمين ليس لها ناقة أو بعير من جراء هذه الممارسات، بل على العكس هي الضحية التي تدفع الثمن مضاعفاً مرة كتعويض مالي للمتضرر ومرة أخرى بخسارة ثقة المواطن بالقطاع وما يترتب عليه من عزوف عن التامينات الأخرى غير الالزامية.

إن العاملين في مهنة سمسرة التأمين يقومون على التوسط بين المواطن وجهة أخرى مرخصة من هيئة التأمين مثل وكيل التأمين أو وسيط التأمين لإجراء التأمين لمركبات المواطنين بطرق مضللة غايتها جباية الأموال والأرباح لكل من وسيط التأمين أو وكيل التأمين وسمسار التأمين من خلال بيع وثائق التأمين بأسعار أعلى بكثير من السعر المتفق عليه مع شركة التأمين أو السعر المحدد من الدولة والتعمد بعدم تسجيل القيمة التي يتم استيفاؤها من المواطن على نسخة الشركة أو نسخة الترخيص أو ايهام مالك المركبة بأن المركبة مسجلٌ عليها حوادث وفي حال توجهه للمكتب الموحد سيدفع مبالغ اضافية، وذلك لضمان الايقاع بصاحب المركبة وتمتع سمسار التأمين ومن يتعامل معهم من وكلاء ووسطاء بالمبالغ الاضافية ( over) التي يتم الاحتيال بها على المواطنين في وقت يعاني فيه قطاع التامين أشد المعاناة في فرع التامين الالزامي للمركبات جراء تحديد الأسعار بشكل لا يتناسب فنيا وماليا مع حدود المسؤوليات المحددة من قبل الدولة الأمر، الذيأدى الى تسجيل القطاع خسائر تراكمية زادت عن الــ160 مليون دينار أردني وما تلاه من خروج شركات تامين من السوق وتعثر شركات اخرى وانسحاب ثلاثة شركات طوعيا من تقديم خدمة تأمين المركبات بشقيه: الالزامي والشامل وتراكم الخطر لدى بقية الشركات.

إنّ هذه المهنة (سمسار التأمين) ظهرت في نيسان عام 2004 عندما قامت هيئة التأمين بإلغاء نظام الدور الذي كان متبعاً في مكتب التأمين الالزامي الموحد التابع للاتحاد الأردني لشركات التأمين منذ عام 1987، وذلك بحجة منح المواطن حرية اختيار شركة التأمين التي يرغب بالتعامل معها، لم يكن لهذا القرار أي أثر إيجابي مباشر على أصحاب المركبات وبالعكس أدى إلى البدأ بظهور مهنة سمسرة التأمين من قبل فئة تسعى للإيقاع بالمواطنين وإعطائهم معلومات غير صحيحة وتوجيههم للتأمين لدى شركات تأمين معينة ليس لأنها الافضل في تقديم الخدمات عند حدوث الحادث أو لأن هذه الشركات لديها قدرات مالية كبيرة تستطيع دفع التزاماتها المالية عند حصول الحادث، بل السبب وراء ذلك هو جني المكاسب المادية والحصول على عمولات ومبالغ بدون وجه حق من اصحاب المركبات زيادة عن القسط المحدد من الحكومة.

ومع أن هذه المهنة بدأت بالظهور في عام 2004 وبدأت بالتجذر لتفرض نفسها على المشهد التأميني مع علم جميع الأطراف ومنها الجهات الحكومية وفي مقدمتها هيئة التأمين بعدم قانونية عملها وعدم كفاءة العاملين فيها وتدني تحصيلهم العلمي إن وجد ،علاوة على وجود قيود وقضايا على العديد منهم، وما يشوب عملهم من ممارسات خاطئة واحتيال وتضليل وسرقة لأموال المواطنين إلا أنه وللأسف لم يتم أخذ إجراءات فعالة لمحاربة هذه الظاهرة واجتثاثها، بل على العكس قامت هيئة التأمين في عام 2010 بإصدار تعليمات إصدار وثائق التأمين الالزامي للمركبات رقم (5) لسنة 2010 والتي سمحت بموجبها لشركات التأمين والوكلاء والوسطاء بإصدار وثائق التأمين الالزامي، إضافة الى المكتب الموحد، الأمر الذي أدى الى حدوث فوضى عارمة في مناطق الترخيص وتقوية مهنة سمسرة التامين وهدم الإنجازات التي حققها قطاع التأمين الأردني منذ تأسيس المكتب الموحد في عام 1987 الذي أنجز عمله بكل حرفية ومهنية وشفافية ودقة متناهية لدرجة وصلت نسبة الخطأ في عمله وادائه إلى صفر % بعد الخبرة الطويلة والمتابعة والمراقبة من إدارات الاتحاد المتعاقبة والدوائر المتخصصة في الاتحاد لمراقبة عمل المكتب من النواحي الإدارية والمالية والفنية، وبما يضمن إيصال مستحقات الشركات بسرعة وبدقة وتسجيل بيانات ومعلومات اصحاب المركبات بدقة ومهنية والقدرة العالية على استرجاع المعلومات وتزويدها للمواطنين أو المحامين أو الجهات القضاية لإثبات التامين، وعدم تسجيل حالة واحدة بدفع المواطنين أسعار أعلى من الأسعار المحددة والمعلنة من قبل الدولة ورسم صورة حضارية في مختلف مناطق الترخيص من حيث مستوى الخدمة وأداء الموظفين والمظهر العام وتطور الخدمات التي وصلت إلى الإصدار الالكتروني للوثائق بدءاً من عام 2005 وتوفير مكاتب وكوادر إدارية مدربة تؤدي افضل الخدمات حتى اصبح المكتب الموحد الأردني موضع إعجاب وتقدير كونه واحداً من أنجح التجارب عربياً وإقليمياً، الأمر الذي حذا بكل من سوريا، فلسطين، ليبيا، اليمن والعراق لاستنساخ هذه التجربة وتطبيقها في بلدانهم لما لمسوه من تفوق في الأداء ورضا كل من الأطراف عن مستوى الخدمات وجودتها وسرعتها ودقتها، أضف الى ذلك رضا الجهات الرسمية عن جودة الخدمات المقدمة من المكتب الموحد وتعاون إدارة وكوادر الاتحاد معهم بشكل لا محدود لتسهيل عملهم ،وتذليل الصعوبات التي تعتري هذه العملية الأمر الذي كان الأساس للبدء بشراكات جديدة مع عدد من الجهات الرسمية مثل تنفيذ مخطط الحوادث الالكتروني بالتعاون مع إدارة السير، ومشروعين قيد المناقشة والإنجاز أحدهما الربط الالكتروني مع ادارة ترخيص السواقين والمركبات، والاخر مشروع الربط الالكتروني مع دائرة الجمارك والتي يؤمل منها تحسين مستوى الخدمات الحكومية بالتكامل مع خدمات التامين في ضوء توجهات تطبيق الحكومة الإلكترونية.

أننا نطالب الجهات الحكومية والرقابية وفي مقدمتها هيئة التأمين القيام بواجباتها والسير بأقصى سرعة بإجتثاث هذه المهنة التي اصبحت تؤرق كل شخص يراجع ادارة ترخيص المركبات والسواقين وعلى أن يقتصر بيع وثائق التأمين على الجهات المرخصة من الهيئة، لضمان خضوعها للرقابة والمتابعة من كوادر الهيئة وضمان التزامها بالأسس الفنية للعمل التأميني وأدبيات واخلاقيات المهنة التي حددتها قواعد أسس ممارسة المهنة، علما بأن الجهات المرخصة هي شركات التأمين، وكلاء التأمين، وسطاء التأمين والمكتب الموحد للتأمين الإلزامي على المركبات بدلاً من قيام هيئة التأمين بالبحث عن مصوغات لتقنين هذه المهنة وتأطيرها ضمن إطار تشريعي قانوني، وهي تعلم يقين العلم بعدم وجود مثل هذه المهنة او الممارسة على مستوى العالم مع فسح المجال لتقديم خدمات تأمينية متميزة وبطريقة حضارية من قبل الجهات المرخصة والتدرج في تمكين وكلاء ووسطاء التأمين للقيام بالواجبات والمهام التي يمارسها نظراؤهم من الوكلاء والوسطاء حول العالم بعد إيجاد البيئة التشريعية والقانونية، وتكريس الوعي التأميني لديهم وصولاً إلى سوق متقدم ومتطور وعندها سنكون اول من يبحث فكرة إلغاء المكتب الموحد أو تقليص مهامه وتحويلها للوكلاء والوسطاء بعد ضمان الإجراءات والأطر التشريعية التي تضمن تقديم الخدمات التأمينية بحرفية ومهنية عالية بعد تحمل كل طرف لمسؤولياته وايجاد تشريعات تضمن محاسبتهم في حال كان هناك قصور في الاداء، وبما يضمن عدم وجود ممارسات نصب واحتيال وبلطجة في مناطق الترخيص وصولاً الى كوادر وأطراف مدربة تقدم النصح والإرشاد للمؤمن لهم واصحاب المركبات تعكس مهنية عالية بعيداً عن اللهاث وراء المنافع الشخصية والعمولات بطرق غير قانونية والتي إن بحثت من قبل القانونيين والرقابيين لن يجدوا لها تفسيراً إلا تحت باب التزوير والاحتيال في قانون العقوبات الأردني، ونتمنى من الجهات الرقابية أن توقع هذه العقوبة على عدد من الأشخاص الذين يمارسون الاحتيال والتزوير جهاراً نهاراً في مناطق الترخيص تحت سمع ونظر الجهات الرقابية والامنية حتى يكونوا عبرة لغيرهم ورادعاً لمن يفكر في الاعتداء على أموال المواطنين بالنهب والنصب،والاحتيال في وقت يواجه فيها المواطن صعوبات كبيرة في العيش والتكيف مع كل التغيرات الاقتصادية التي شهدتها المنطقة العربية والمحلية على وجه الخصوص من ارتفاعات متتالية في الأسعار وتضخم ؛ الأمر الذي أدى الى زيادة الضرر على المواطن.

آملين أن نكون من خلال هذه المقالة قد سلطنا الضوء على هذه الظاهرة من جهة مهنية متخصصة بالاستناد إلى المشاهدات العملية من واقع هذه الممارسة التي أضرت وتضر بقطاع التأمين وتدفع باتجاه تعميق الهوة بين الشركات والمواطنين في وقت أحوج ما تكون الشركات إلى بناء شراكة حقيقية مع المواطنين وأصحاب المركبات لضمان استمرارية العلاقة مع المؤمن لهم وتقديم أفضل الخدمات التأمينية لهم حيث أن شركات التأمين أسست ووجدت لخدمتهم.


ماهر الحسين

تعليقات