لماذا ظل الحديث حول تمويل الخدمات الصحية محدودا؟ عبد الوهاب بن عبد الله الخميس*

الواقع يقول إن تطرق الأدبيات العلمية لتمويل الخدمات الصحية في السعودية بقي محدودا. فمن جهة هناك العديد من الأدبيات العلمية التي تطرقت لواقع خدماتنا الصحية، لكنها دراسات يغلب عليها الجانب الوصفي الممزوج بالسرد التاريخي. هذه الحقيقة لا تقلل أبدا من أهمية هذه الكتب أو الدراسات لدورها في توثيق واقع خدماتنا الصحية. لكن من جهة أخرى ظل التطرق لتحليل تمويل الخدمات الصحية ضعيفا على الرغم من أن تمويل الخدمات الصحية من أهم المحاور المرتبطة بحصول الرعاية الصحية. لذا بقي الحديث عن وسائل تمويل الخدمات الصحية وانعكاسها على حصول الرعاية الصحية من الجوانب العلمية التي تفتقر لها ليس فقط المكتبة العربية بل الأدبيات العلمية الموثقة.


لا شك أن الحديث عن تمويل الخدمات الصحية من أبجديات أي خطة استراتيجية. لكن مع الأسف أن استراتيجية وزارة الصحة الأخيرة لم تتطرق لموضوع تمويل الخدمات الصحية على الرغم من أهميتها. وكنت قد كتبت مقالا حول استراتيجية وزارة الصحة هل هي استراتيجية وزارة أم مستشفيات في مقال سابق قبل أكثر من سنة (جريدة ''الاقتصادية'' عدد 6749).
من المؤسف أن بعض الكتّاب قدّم معلومات خاطئة حول بعض القضايا المتعلقة بالتأمين أو تمويل الخدمات الصحية. ومما زاد الطين بلة أن بعض هؤلاء الكتاب أكاديميون لكن طريقة تناولهم لقضايا جوهرية تتعلق بتمويل الخدمات الصحية أو التأمين الصحي أقل ما يقال عنها أنها أطروحات سطحية بعيدة عن الطرح العلمي.
هذه الحقيقة لا تقلل من جهود بعض الأساتذة الكبار في تغطية بعض الجوانب مهمة حول قضية التأمين الصحي. فمثلا ألّف الدكتور خالد بن سعيد كتابا قيما حول ''التأمين الصحي التعاوني''، كما ألّف الدكتور عبد المحسن الحيدر والدكتور محمد التركي كتابا ثريا بعنوان ''نظام الضمان الصحي التعاوني في السعودية: بحث ميداني'' لجانب آخر من التأمين الصحي ولكن من ناحية ميدانية. لكن هذين الكتابين على الرغم من إسهامهما الإيجابي في التعريف بجوانب متعددة في التأمين الصحي لكنهما ُألفا قبل التطبيق الفعلي للتأمين الصحي. لذا لم يتطرق الكتابان إلى جوانب تتعلق بانعكاس تطبيق التأمين الصحي على الجوانب التمويلية للخدمات الصحية. التأمين الصحي ــــ كما هو معلوم - أحد أوجه تمويل الخدمات الصحية لكنه ليس الطريقة الوحيدة لتمويلها.

على المستوى المحلي، لا شك أن هناك أسبابا حقيقية أسهمت في ضعف الأبحاث حول تمويل الخدمات الصحية. فمثلا غياب المعلومة الموثوقة حول المصروفات الصحية الحكومية بشكل عام وليس كل قطاع على حدة. فعلى الرغم من أن منظمات دولية تصدر تقارير سنوية حول النفقات الحكومية كمنظمة الصحة العالمية أو البنك الدولي، لكن هناك من يشكك في مصداقيتها دون إعطاء تقارير توضح الإنفاق الفعلي على الصحة. فغياب المعلومة الموثقة والتشكيك في تقارير المنظمات الدولية أسهم بشكل مباشر في ضعف الأبحاث العلمية. لكن الخبر الإيجابي في هذا السياق هو ما صرح به الدكتور عبد الله الربيعة وزير الصحة أن من ضمن مشاريع الوزارة تطوير تقاريرها الصحية بما في ذلك التقارير الخاصة بتمويل الخدمات الصحية. وذكر الوزير أن وزارته تعكف حاليا وبالتعاون مع أهم المراكز المتخصصة في تقديم المعلومات الصحية في الولايات المتحدة لتطوير تقاريرها السنوية. كما ذكر أن هذا التعاون سيسهم في تحفيز الباحثين والمهتمين بالشأن الصحي للمشاركة في تقديم الأبحاث في ظل توافر المعلومات الموثقة. هذه الخطوة وأن اعتقدت أنها تأخرت كثيرا لكن كما يقال أن تصل متأخرا أفضل من ألا تصل أبدا.
كما أن قلة المتخصصين والباحثين في موضوع تمويل الخدمات الصحية أسهم في ضعف الأبحاث حول هذا الموضوع الحيوي. فغالبية الجامعات السعودية لديها تخصصات تهتم بموضوع الإدارة الصحية في إطارها العام لكن لا توجد لديها تخصصات فرعية تهتم بالجوانب المتعلقة بالسياسات الصحية وطرق تمويل الخدمات الصحية على وجه التحديد. حاليا جامعة الملك سعود لديها خطة طموحة لسد هذا النقص الأكاديمي خصوصا أنها بصدد إنشاء أقسام تهتم بإدارة التأمين الصحي والسياسات الصحية كما صرح بذلك مدير جامعة الملك سعود الدكتور بدران العمر. ختاما أتمنى أن تسهم جامعات أخرى بالمشاركة في سد هذا النقص وذلك بإنشاء أقسام أخرى من أجل سد النقص الحاد في هذا المجال.
وللحديث بقية.

*متخصص في قضايا التأمين و السياسات الصحية
Alkhamis@email.com

تعليقات