التأمين الصحي واقع وحقيقة..بقلم:سامر يحيى

الإنسان هو أساس وعماد بناء أي مجتمع، وحتى نحافظ على قوة ونشاط وعطاء العنصر البشري يجب أن نوليه الاهتمام الكافي، ولا شك أن المجال الصحي إضافة للجانب التعليمي التربوي، هو الأكثر أهمية إن لم نقل اللاعب الأساس في الوصول إلى أداء أفضل للموارد البشرية، وزيادة عطائها وإنتاجيتها لتحقيق تنميةٍ بشرية حقيقية، فلا يمكن لمجتمع أن ينهض في ظل انتشار الأمراض، وانطلاقاً من ذلك واجب الحكومة الاهتمام بالعنصر البشري كونه الأساس لأية حكومة، وكل من الدخل والناتج القومي يقاس بعدد السكّان، فهذا يعني أهمية الحالة الصحية للفرد ليكون فعّالاً وقادراً على العطاء والإبداع..
ولأن القطاع الصحي من أولويات أيّة حكومة، فإن الدولة تدفع من موازنتها العامة سنوياً مبلغاً لا يستهان به لتحسين الواقع الصحي ابتداءً من اللقاحات وليس انتهاءً بالمشافي العامة المجانية والأدوية المرتفعة الثمن والضرورية والتي لا يمكن للمواطن العادي دفع ثمنها، فهو عمل استراتيجي واجب على كل الحكومات..  


كما أنه تكاد لا تخلو مؤسسة من "صندوق صحي" يلبّي جزءاً من متطلبات موظفيها الصحية، ومع بداية عام 2008 تم البدء بتأسيس شركات للتأمين الصحي، وتم اشتراك معظم موظفي القطاع العام بهذه الشركات، وأسوة بباقي القرارات والقوانين، تم تجاهل معظم الأخطاء والثغرات التي ترتكب كالتأخير أو صعوبة معرفة الطبيب المشترك أو المشفى المشترك، عدا عن مخاطبة الشركة وقد يأخذ الرد ساعات أحياناً.. ولا يمكن تجاهل دور القطاع الخاص المهتمّ بالربح وليس الخدمة الإنسانية، مما ساهم بأن تتحوّل مهنة الطب إلى  تجارة رابحة لدى الكثيرين، وتم تجاهل أن الطب مهنة إنسانية، تحتاج استمرار الإبداع والمساهمة في تقدير دور الطبيب وبنفس الوقت الاهتمام بالمريض، وما أكثر الآليات التي تساهم بتحقيق ذلك، وأهمها إعادة هيكلية نظام القطّاع الصحي، بالتعاون مع النقابات والمؤسسات العاملة بهذا المجال، وإيجاد وسائل أكثر نجاعة وفائدة وتصبّ بمصلحة المواطن والطبيب والمجتمع بآنٍ معاً، ولا تكون مجرّد تجارة رابحة.. 

هنا لا أريد تحميل الحكومة وزراً أكثر من الذي تحمله الآن، ولكن الحكومة تدفع الكثير من موازنة الدولة ومواردها وللأسف القسم الكبير منها يذهب بغير الاتجاه المرجو منه نتيجة بعض الثغرات هنا وهناك التي تسهّل للبعض استغلالها لمصلحته الشخصية الأنانية المنافية لمصلحة الوطن- لأن الأساس تكامل بين مصلحة الوطن والمواطن وأكثر من ذلك هو تطابق كامل-  فمعظم النقابات تقتطع اقتطاعات طبية وغير طبية من العاملين لديها، فكم يكون مفيداً لو يتم توحيد كافة الدوائر والصناديق الخاصة بكل مؤسسة حكومية، وحتى التعاون مع جهات ومصارف وشركات التأمين الصحي في القطّاع الخاص، ووضع كافة المبالغ المقتطعة والمتوفرة لحساب وزارة الصحة، التي عليها القيام بتوزيع هذه الموارد بالشكل الأمثل، بهدف تحسين الظروف الصحية في البلد ككل، إضافةً إلى تحسين الوضع المادي والعلمي والعملي والإبداعي وتوفير مستلزمات الطبيب بكافة اختصاصاته، وأياً كان مكانه في أبعد منطقة من المدينة أو الريف.. بحيث يصبح لدينا صندوق الدعم الصحي الشامل، يعتمد على موارد النقابات ووزارة الصحة وضرائب المعامل، والطابع الصحي والتبرّعات وغيرها.. وإيجاد وسيلة فعّالة لتعويض الطبيب والمشافي الخاصة والعامّة معاً، عبر وضع تعرفة مخفّضة لكل مواطن يحمل الجنسية العربية السورية، حسب اختصاص الطبيب والمشفى، أياً كان هذا الشخص، عندها لن يفكّر الطبيب بالوضع المادي واستغلال المريض، ولن يحتار المواطن لأي مشفى سيذهب أو يخشى الذهاب إلى الطبيب ويكتفي بتناول الدواء من الصيدلية التي ربّما تكون انعكاساته المستقبلية عليه وعلى المجتمع أكثر خطراً ولو حصل الشفاء السريع..

ومن المفيد بل الضروري أيضاً الاستفادة من الأطباء السوريين في كافة دول العالم، عبر منحهم زيارات ولو لعشرة أيام عمل في سورية، لتقديم خدماتهم عبر الكشف المجاني للمرضى، وإلقاء ندوات ومحاضرات وحلقات نقاش، إضافة للّقاءات الدورية الأسبوعية بين الأطباء أنفسهم وبين طلّاب العلم لتبادل الآراء والأفكار وأهم وأصعب الحالات التي واجهها كل منهم من أجل الاستفادة من خبرات بعضهم بعضاً، وأكيد بالنهاية المبدع يستحق الثناء والمكافأة... 

    إن صندوق الدعم الصحي بإمكانه الاستفادة من الدعم الذي يقدّمه أبناء سورية في الداخل والخارج، عدا عن توجيه جزء من إيراد وريع النقابات والصيدليات ومختبرات ومصانع الأدوية لصالح صندوق الدعم الصحي.. 

هنا نذكّر بأننا في سورية، والحمد لله وضعنا الصحي جيد جداً قياساً للدول المتقدمة، ولكن المخاوف الآن تنصبّ على تأثير البيئة التي مررنا بها خلال السنوات الأخيرة، على الوضع الصحي مستقبلاً، مما يتطلّب التعاون وتكثيف الجهود بين وزارة الصحة، وكافة وزارات الدولة، وخاصة الإدارة المحلية والنفط والبيئة والتجارة الداخلية وحماية المستهلك، للحفاظ على البيئة نظيفة تجعل الإنسان أكثر قوةً ومناعةً، فما تعرّضنا له من دمار وتخريب، والحرب شبه الدولية ضد سوريتنا الحبيبة، والتلّوث في الجو من كافة النواحي، بلا شكّ سيولد أمراضاً تحتاج منا الدراسة الفورية، لاتقاء شرّها وإيجاد الحلول واللقاحات لها قبل أن تستفحل. 
إننا نحتاج لتكافل كافة الجهود؛ لبناء جيل ٍوطنيٍ واعٍ ومثقّف متفوّق فلا حياة لهذا الوطن إن لم نضع أيدينا بأيدي بعض، والكل يبدأ بنفسه، لضمان حرية الوطن والمواطن وأن تبقى كرامة السوري مرفوعة كما هي دائماً منذ بداية التاريخ...

المصدر : موقع الأزمنة