أمريكا وانقسام الرعاية الصحية - جيه. برادفورد ديلونج

في عام 1883 أنشأت الحكومة الامبراطورية الاستبدادية في عهد الأمير أوتو فون بسمارك ــ الذي أعلن في كلمة شهيرة: "ليس بالخطب وأصوات الأغلبية ستتحدد القضايا الكبرى في عصرنا.. ولكن بالدم والحديد" ــ هيئة التأمين الصحي الوطني في ألمانيا.
والواقع أن الأساس المنطقي لإنشاء التأمين الصحي الوطني لا يزال واضحاً الآن، كما كان في نظر بسمارك قبل 130 عاما. ذلك أن نجاح أي دولة ــ سواء قيس بمجد قيصرها، أو بتوسع أراضيها، أو أمن حدودها، أو رفاهة سكانها ــ يستند إلى صحة شعبها.
إن الأمراض الخطيرة قد تصيب أي شخص، وكقاعدة عامة، فإن من يصاب بمرض خطير لا يكسب الكثير من المال، وكلما طال انتظار المصابين بأمراض خطيرة للعلاج، تعاظمت تكلفة علاجهم وتأهيلهم في نهاية المطاف.


وكقاعدة عامة أيضا، فإن المدخرات الخاصة لا تغطي تكاليف العلاج إلا بالنسبة للأثرياء وميسوري الحال. وعلى هذا، فما لم نتبن وجهة النظر القائلة إن هؤلاء الذين ليس لديهم مدخرات كافية والذين يصابون بأمراض خطيرة لابد أن يموتوا بسرعة (وبهذا يقل الفائض من السكان)، فإن أي بلد يتمتع بتأمين صحي وطني يصبح بلداً أكثر ثراءً وأعظم نجاحا. كانت مثل هذه الحجج مقنعة تماماً في نظر بسمارك، ولا تزال مقنعة بالقدر نفسه اليوم.
في الأول من كانون الثاني (يناير) 2014، ستنفذ الولايات المتحدة جزئياً القانون ــ قانون الرعاية اليسيرة التكاليف ــ الذي لن يؤسس للتأمين الصحي الوطني، ولكنه سوف يعمل، وفقاً لتوقعات مكتب الموازنة في الكونجرس الأمريكي على خفض عدد المحرومين من التأمين الصحي في الولايات المتحدة إلى النصف. في عام 2009، كان بوسع الرئيس باراك أوباما أن يقترح برنامجاً شاملاً مثل ذلك الذي أطلقه بسمارك. وكان مثل هذا البرنامج ليسمح ويشجع ويجعل في متناول الأمريكيين غير المؤمن عليهم الحصول على تأمين صحي مماثل لذلك الذي يتمتع به أعضاء الكونجرس؛ أو كان ليعمل ببساطة على توسيع نظام الرعاية الطبية المطبق على من تتجاوز سنهم خمسة وستين عاماً بحيث يشمل جميع الأمريكيين.
ولكن أوباما بدلاً من ذلك ألقى بثِقَله وراء قانون الرعاية اليسيرة التكاليف المعقد. والسبب، كما شرح لي البعض في عام 2009، كان أن جوهر قانون الرعاية اليسيرة التكاليف مطابق للخطة التي اقترحها حاكم ماساتشوستس السابق مِت رومني ووقع عليها لتصبح قانوناً في تلك الولاية في عام 2006: وكان ليتحول تعبير "رعاية أوباما" إلى "رعاية رومني"، ولكن بطبقة جديدة من الطلاء. ولأن رومني كان مرشح الحزب الجمهوري المفترض لانتخابات عام 2012 الرئاسية، فإن قِلة من الجمهوريين كانوا ليتمكنوا من التصويت ضد مبادرة مرشحهم التشريعية عندما كان حاكماً لولاية ماساتشوستس. وبالتالي فكان من المفترض أن كونجرس الولايات المتحدة سوف يتمكن من إقرار قانون الرعاية اليسيرة التكاليف بأغلبية صحية وحزبية، وأن أوباما سوف يبرهن على قدرته على تجاوز الجمود الحزبي في واشنطن.
ونحن نعلم الآن إلام انتهى ذلك الأمر. فلم يصوت جمهوري واحد لصالح قانون الرعاية اليسيرة التكاليف في مجلس النواب. وقد صوتت نائبة جمهورية واحدة ــ أوليمبيا سنو عن ولاية مين ــ لصالح القانون في اللجنة، ولكنها غيرت موقفها، وهددت بقتل القانون عن طريق التعطيل، وصوتت ضد إقراره النهائي.
وفي الولايات التي يسيطر عليها الديمقراطيون، حيث يعيش نحو 60 في المائة من سكان الولايات المتحدة (والتي تمثل 70 في المائة من الدخل الوطني و80 في المائة من ثروات الولايات المتحدة)، فإن تنفيذ قانون الرعاية اليسيرة التكاليف من المرجح أن يكون مماثلاً لبرنامج رعاية رومني في ماساتشوستس: أي أنه سوف يكون وعراً بعض الشيء، ولكنه على أية حال سيشكل نجاحاً واضحاً بالقدر الذي لن يسمح لأحد بالرغبة في إلغائه بعد تنفيذه الفعلي. ولكن لا أحد يدري ماذا قد يحدث في الولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون، حيث تتشبث البنية الأساسية السياسية الجمهورية بموقفها.
وماذا قد يفعل الأطباء ومديرو المستشفيات في فينيكس، وكانساس سيتي، وهيوستن، وأتلانتا بعد أن يتحدثوا مع زملائهم في لوس أنجلوس، وسياتل، ومينيابوليس، وشيكاغو، وبالتيمور، ونيويورك، حيث تحاول حكومات الولايات وهياكلها السياسية إنجاح عملية تنفيذ قانون الرعاية اليسيرة التكاليف؟ هل يذهبون إلى مقارنة ومضاهاة الظروف التي يعملون في ظلها؟ وأي المرشحين سيؤيدون بالتبرعات والأصوات في انتخابات 2014 ثم انتخابات 2016؟ وماذا قد يفعل الممرضون والمرضى المحرومون من فوائد قانون الرعاية اليسيرة التكاليف؟

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2013.

تعليقات