التحكيم في القانون والتأمين - منذر عباس الأسود

نشر السيد وليد جاسم القيسي مقالة في مرصد التأمين العراقي بعنوان (التحكيم في التامين واعادةالتأمين)، عرض فيها العديد من جوانب التحكيم بصورة عامة وما له علاقة بالتحكيم في عقود التأمين وإعادة التأمين.  ونود هنا تقديم بعض الاضافات والتوضيحات المختصرة على مقالته، كتبناها على وجه السرعة، لفائدة القراء وإغناء الموضوع.  ونأمل أن يساهم الآخرون بالتعليق وبالكتابة التفصيلية عن الموضوع وعرض بعض الحالات العملية للتحكيم في منازعات التأمين وإعادة التأمين في العراق.



تعريفات
التحكيم: هو ان يُحَكِّمَ متخاصمون شخصا او اخر للحُكم فيما بينهم من نزاع، بمعنى ان يَمنَحَ المتخاصمون المُحكِّم او المُحكِّمين ولايةً للحُكم او القضاء في ما هم متنازعون عليه.

التحكيم في فقه القانون بمثابة تنازل كامل من حق المواطن في اللجوء الى المحاكم او اختيار برضاء تام وارادة حرة .

التحكيم لغةً: مصدر حَكَّمَ يَحْكِّمُ – بتشديد الكاف – اي جعله حَكَماً.  والحُكْم – بضم الحاء وتسكين الكاف – هو القضاء.  والحَكَم – بفتح الحاء والكاف – من اسماء الله الحسنى.  جاء في القراّن: ( أفغير الله ابتغي حكما ).  ويطلقُ الاسم، المُحكِّم، على من يختار للفصل بين المتنازعين.

التحكيم: هو مَسارٌ خاص استثناءً عن المسار العام لحل المنازعات ( القضاء ).

ومن المعروف ان التحكيم يطلقُ عليه بعض الفقهاء القانونيين بـ ( القضاء الخاص ) حيث أن مفهوم التحكيم هو ضربٌ من القضاء الخاص يقوم على مبدأ سلطان الارادة.

والتحكيم قديم في نشوئه.  ولعل اقدم صورة له في الأسطورة الدينية كانت حين قام نزاع بين قابيل وهابيل حول الزواج من الاخت التوأم، وكان الحل المقبول منهما هو الاحتكام الى السماء.

وازدهر التحكيم قبل الاسلام عند العرب، وبرز بينهم عدد من المحكمين.  وبالرجوع الى معركة صفين (37 هـ/657 م) التي حكم فيها عمر بن العاص وابو موسى الاشعري بين الامام علي ومعاوية بن ابي سفيان، والتي لا يزال كثير من المسلمين يخشون عند اللجوء الى التحكيم ان يصلوا الى ما وصلت اليه نتائج التحكيم في تلك الواقعة.  وقد ازدادت أهمية التحكيم حتى اصبح على شكل منظمات وهيئات دولية لها مراكز.

ان ضرورة التحكيم لا يكاد يختلف حولها فهو بجانب انه مجال لالتماس الحقوق واستصدار حكم بشأنها فإنه يدور، وجوداً وعدماً، مع المقاضاة فلقد قيل انه حيثما لا يكون التحكيم ممكنا فان المقاضاة امام المحاكم لا تكون كذلك ممكنة.

التحكيم والصلح والقضاء
التحكيم لا يعني الصلح لان الصلح، كعقد او اتفاق، هو تراضي شخصين.  كما انه إذا تصالح اثنان على شيء جاز لهما فسخ ذلك الصلح برضاهما.  والصلح في اللغة: هو قطع المنازعة، وفي الشرع: عقد ينهي الخصومة بين المتخاصمين.  ويختلف التحكيم عن الصلح حيث ان الصلح يتم بين الخصوم انفسهم او من ينوب عنهم.  اما التحكيم فان المحكم يقوم فيه بمهمة القاضي ويصدر قراره سواء رضي به الطرفان ام لم يرضوا.

اما الفرق بين التحكيم والقضاء فهو ان ولاية القاضي عامة إذ ينظر في جميع القضايا التي تُعرَضُ عليه بينما ولاية المحكم مقصورة على قضية المتخاصمين الذين رضوا بان يُحكِّمَ في تلك القضية المعروضة حصراً ولا تتعدى سلطاته الى قضية اخرى.  ولذلك فإن قرارات المحكمين تحتاج الى قوة نفاذ كالتي تتمتع بها احكام المحاكم.

ميزات التحكيم
1- انه يتيح لأطراف التحكيم حق اختيار مكان التحكيم، ولهذا نجد ان شرط التحكيم الدولي لا يخلو من تحديد مكان التحكيم.  ويكون الاختيار برضا تام من الفرقاء المتنازعين بحيث يشعر كل منهم بكامل الاطمئنان لانهم اختاروا بإرادتهم من يحكم بينهم.
2- السرعة في فض المنازعات لان المحكمين عادة ما يكونون متفرغين للفصل في خصومة واحدة وعموما لا تتعدى اكثر من 6 اشهر.
3- الاقتصاد في المصروفات لان نفقات التحكيم اقلّ بكثير من نفقات رسوم المحاكم واتعاب المحاماة واجراءات التنفيذ.
4- السريّة: تناول الخلاف بشكل يكفل السرية مما يحفظ الطرفان من نتائج اعلان الخلاف حيث لا يُشترط العلانية في الجلسات.  ولا ننسى ان المحمكين يقسمون اليمين في كل قضية يتولون التحكيم فيها للمحافظة على الحياد والسرية.
5- يمتاز ببساطة إجراءاته، والحرية المتاحة لهيئة التحكيم بحسم الخلاف غير مقيدة الا بما ينفع حسم الموضوع.
6- صدور الحكم عن خبراء بمجالات معينة، وبعض الخلافات تتطلب خبراء بمجالات معينة للفصل بها.  وهذه احدى ميزات المرونة التي يتصف بها التحكيم.
7- تلافي الحقد بين المتخاصمين.  اغلب الاحيان يأتي القرار اقرب ما يكون للتراضي لأنه تم من محكمين حائزين على ثقة الجميع.
8- تخفيف اعباء القضاء من حيث عدم العودة اليه في كل النزاعات التي قد تنشأ.
9- عدم التقيد بتطبيق قانون معين او اجراءات معينة.

مآخذ على التحكيم
1- قد تصدر احكام مخالفة للقانون.
2- قد تستخدم لإطالة فترة النزاع من قبل احد الاطراف اذا لم تكن فيه نية حقيقية في فض النزاع.

الاجراءات والجلسات
يُتَّبُع في التحكيم، في الغالب تقريباً، نفس ما هو المتبع في المحاكم من حيث المُهل وحجز القضية للتدقيق.  ويُشترطُ في ضبط جلسات التحكيم ان تكون مكتوبة ومؤرخة وموقعة بشكل يشبه الى حد كبير ضبط الجلسات لدى المحاكم.

العلاقة بين المحاكم واطراف النزاع
هي عبارة عن عقد، وهو ايجابٌ من قبل اطراف التحكيم وقبولٌ من قبل المحكم، وهذا ما يطلق عليه اتفاق التحكيم.  ويعتبر حكم المحكمين له من القوة والالزام ما للأحكام التي تصدر عن المحاكم.  ويتطلبُ حكم المحكمين في القضايا المدنية إكساء حكم المحكمين الصيغة التنفيذية من قبل المحكمة المختصة لإمكان تنفيذه جبراً.

انواع التحكيم
1- تحكيم حر.
وهو ان يختار الاطراف محكم او محكمين مباشرة دون اناطة امر تنظيم التحكيم بهيئة معينة، ويتم التحكيم من قبل هؤلاء المحكمين.
2- تحكيم مؤسسي.
وهو اخضاع المتخاصمين في النزاع الى مركز من مراكز التحكيم.

ويُقسَّمُ التحكيم من حيث إلزاميته الى تحكيم اختياري، وهو التحكيم الذي يلجأ اليه الأفراد بإرادتهم.

اركان التحكيم
يستوجب التحكيم امور مهمة ثلاثة وهي:
1- ايجاب من المتخاصمين في تولية الخلاف بينهم الى محكمين يحكمون بينهم.
2- قبول من المحكمين بذلك.
3- المحل المقصود فيه التحكيم.

خصوصية شرط التحكيم في عقود التأمين
أوجبَ المُشرّع العراقي في القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 وتعديلاته ان يكون اتفاق التحكيم مكتوباً وإلا كان باطلاً.  ونصَّت احكام الفقرة 4 من المادة 958 على الآتي: (يقعُ باطلاً كل ما يردُ في وثيقة التأمين من الشروط الاتية: “شرطُ التحكيمِ اذا وَرَدَ في الوثيقة بين شروطها العامة المطبوعة، لا في صورة اتفاق خاص منفصل عن الشروط العامة”.

وهذا يعني ان الاتفاق على التحكيم في عقود التأمين يجب ان يكون بوثيقة مستقلة تتضمن اتفاق الطرفين على التحكيم.  ومن المُسلّم به ان اشتراط المُشرّع لهذا الشكل الخاص في الاتفاق على التحكيم المتعلق بعقد التامين قد قَصَدَ به توفير حماية خاصة لاحد طرفي هذا العقد، وهو المؤمن له – في مواجهة الطرف الآخر – وهو المُؤَمِن – باعتبار ان عقد التأمين من عقود الاذعان التي يقتصر قبول المؤمن له فيها على التسليم بشروط موحدة يضعها المؤمن ولا يقبل مناقشة فيها.  ولا شك ان التعرف على عِلَّة التشدد في اشتراط الشكلية في اتفاق التحكيم المتعلق بعقد التأمين سببها ان المشرع قد وضع تنظيما عاما محددا لعقود الاذعان.  وقد اقتصر في هذا التنظيم على عنصرين هما: تفسيرُ الشكِ بما لا يضرُّ بمصلحة الطرف المُذعن، والسماح للقاضي بإبطال الشروط التعسفية او بإعفاء الطرف المذعن فيها.

من خلال ذلك يتضح ان قاعدة تفسير الشك بما لا يضر بالطرف المذعن تؤدي الى القطع بعدم حصول الاتفاق على التحكيم كلما ثار الشك حول الطرف المذعن بتضمن الشروط العامة لعقد الاذعان شرط التحكيم.  وانطلاقا من تلك الاسباب فقد نص المشرع العراقي في المادة 985 من القانون المدني على بطلان شرط التحكيم اذا ورد بين الشروط العامة المطبوعة لوثيقة التأمين.

كما افرد قانون المرافعات المدنية العراقي رقم 83 لسنة 1969 فصلا كاملا عن التحكيم واكد بالمادة (252) انه لا يثبت الاتفاق على التحكيم الا بالكتابة، كما يجوز الاتفاق عليه اثناء المرافعة، فاذا ثبت للمحكمة وجود اتفاق على التحكيم او اذ اقرت اتفاق الطرفين عليه اثناء المرافعة، فتقرر اعتبار الدعوى متأخرة الى ان يصدر قرار التحكيم.

واجاز القانون في المادة (273) انه للمحكمة ومن تلقاء نفسها ان تبطل قرار المحكمين في الاحوال التالية:
1- اذا كان قد صدر بغير بيّنة تحريرية، او بناء على اتفاق باطل، او اذا كان القرار قد خرج عن حدود الاتفاق.
2- اذا خالف القرار قاعدة من قواعد النظام العام، او الآداب، او قاعدة من قواعد التحكيم المبينة في هذا القانون.
3-  اذا تحقق سبب من الاسباب التي يجوز من اجلها اعادة المحاكمة.
4-  اذا وقع خطأ جوهري في القرار او في الاجراءات التي تؤثر في صحة القرار.
كما ان المادة (274) اجازت للمحكمة ان تُصَدقَّ قرار التحكيم او تبطله كلا او بعضا، وعند ذلك ان تعيد القضية الى المحكمين لإصلاح ما شاب قرار التحكيم من عيب، او تُفصّلُ في النزاع بنفسها اذا كانت القضية صالحة للفصل فيها.

هذا وان قانون التأمين رقم 10 لسنة 2005 اشار في الفصل الثاني من الباب السادس وبمادته رقم 79 بوضع قواعد تنظيمية تطبق كحل بديل لمنازعات حملة وثائق التأمين والمنازعات التأمينية الاخرى بضمنها التوسط والتحكيم بما لا تتعارض مع احكام القانون.  وتنص على الآتي: “اولا: يضع رئيس الديوان قواعد تنظيمية تطبق كحل بديل لمنازعات حملة وثائق التامين والمنازعات التأمينية الاخرى، بضمنها التوسط والتحكيم بما لا تتعارض مع احكام القانون”.


المصادر
  • المحامي فاضل حاضري، “خصوصية شرط التحكيم في عقود التامين، دار العدالة والقانون العربية، منبر اهل الحق (إنترنت)، 4/12/2011
  • الدكتور المحامي علي خليل الحديثي، “التحكيم واهميته، غرفة تجارة وصناعة عجمان، (انترنت).
  • المحامي عثمان محمد الشريف، “شرط التحكيم البحري في سياق التحكيم الدولي،الموسوعة السودانية للأحكام والسوابق القضائية، (انترنت)، 2001
  • قانون المرافعات المدنية العراقي رقم 83 لسنة 1969
  • القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 وتعديلاته.
  • قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (المعروف أيضاً بالأمر رقم 10).


منذر عباس الأسود
بغداد 10-6-2013
المصدر / مرصد التأمين العراقي