نقص الخبرات في مجال إعادة التأمين عائق أساسي أمام قيام شركة إعادة تأمين في السعودية

تباينت آراء مختصين في قطاع التأمين حول جدوى تأسيس شركة سعودية تختص في مجال إعادة التأمين بهدف فك الاحتكار الذي ضربته شركات تأمين وإعادة تأمين عالمية على السوق، تستفيد من تدفقات نقدية تدفعها لها شركات تأمين محلية سنويا. بينما يرى أحد المختصين أهمية قيام مثل هذه الشركة للحد من هذه التدفقات النقدية للخارج، يؤكد آخر أن تأسيس شركة سعودية واحدة لإعادة التأمين فيه مخاطرة كبيرة قد تؤدي لانهيار السوق بأكملها في حال انهارت هذه الشركة وعجزت عن الوفاء بالتزاماتها تجاه العملاء المحليين والدوليين.
ويقول المختص الذي يؤيد فكرة تأسيس الشركة إن شركات التأمين المحلية لديها ارتباط وثيق بأسواق التأمين العالمية من خلال وجود أعداد كبيرة من شركات التأمين العالمية في السعودية، وأيضا من خلال التدفقات النقدية الخارجية لأقساط إعادة التأمين التي تذهب للشركات العالمية، وأن هذا الأمر يجب أن يكون حافزا لتأسيس الشركة للعمل في مجال إعادة التأمين لفك احتكار الشركات العالمية على السوق، والحد من التدفقات النقدية للخارج.


وأوضح لـ ''الاقتصادية'' عماد الدين الحسيني المدير العام لشركة ''الوسطاء السعوديون للتأمين'' أن ارتفاع ظاهرة نسب إعادة التأمين عالميا يأتي لرغبة شركات التأمين في تقاسم مخاطر التأمين نتيجة لعوامل عدة، منها ارتفاع المخاطر التأمينية غير الاقتصادية وصغر حجم شركات التأمين العاملة محليا ومحدودية رأسمالها، إذا قورنت بالعدد الكبير لهذه الشركات، الأمر الذي أدى إلى احتدام المنافسة فيما بينها وعدم استقرار أقساط التأمين وضعف المقدرة الاستيعابية للشركات التأمينية، بالتالي عدم الجدية أو التفكير فقط في تأسيس شركة واحدة تعمل في مجال إعادة التأمين، ولعل هذا ناتج عن قصور واضح لمستقبل قطاع التأمين وإعادة التأمين بشكل خاص.
ويرى أن تأسيس شركة محلية تختص بإعادة التأمين سيسهم إلى حد كبير في الحد من التدفقات النقدية التي تستفيد منها شركات عالمية تعمل خارج السعودية، خاصة أن 50 في المائة من أقساط التأمين تذهب لهذه الشركات. ويقول الحسيني إن شركات كبرى كـ ''أرامكو'' و''سابك'' وغيرهما من الشركات الكبرى تلجأ للحصول على الخدمات التأمينية من الشركات العالمية العاملة خارج السعودية، لقناعة هذه الشركات بأن شركات التأمين المحلية ليس لديها القدرة المالية والخبرات الكافية لتغطية الخدمات التأمينية التي تحتاج إليها، خاصة في مجال تغطية التأمين لقطاعات النفط والطاقة والنقل البحري والطيران وغيرها من الخدمات التأمينية التي تتطلب توافر عنصري القدرة المالية والخبرات الكافية. وأشار إلى أن نحو 90 في المائة من أقساط التأمين لهذه الشركات تذهب للخارج.
ويرى الحسيني أن رؤوس الأموال المحدودة لشركات التأمين المحلية جعلتها غير راغبة في توسيع نشاطها ونموها لمنافسة الشركات العالمية وقبول أخطار جديدة والوفاء بمتطلبات الملاءة المالية وفقا للمعايير الدولية، من خلال تدعيم قدراتها التي تساعدها على تغطية احتياجات السوق.
ويضيف: معظم شركات التأمين المحلية لديها اتفاقيات تأمين مع شركات عالمية أخرى يصعب الفكاك منها، لذا فإن تأسيس شركة سعودية في مجال إعادة التأمين في حال كانت شركات التأمين جادة في ذلك، فإن الأمر يحتاج إلى سنوات عدة لتحقيق ذلك، إلا أن هذه الخطوة، إن تحققت، سيكون لها مردود إيجابي على السوق.
ويعتقد الحسيني أن الشركات المحلية ليس لديها قدرة مالية كافية لتأسيس هذه الشركة، كما ينقصها توافر الكادر المؤهل الذي يدير أعمالها ونشاطها، ويكون لديه إلمام كاف بمفهوم إعادة التأمين وتفادي مخاطره. لذا فإن غياب الخبرة لدى الكادر الموجود حاليا يعتبر عائقا أساسيا لعدم تأسيس هذه الشركة، إلا إذا تم استقطاب خبرات عالمية من الخارج، وهذا في حد ذاته أمر مكلف للغاية. ويرى أن ثمة مجالات في قطاع التأمين تحتاج إلى خبرة ودراية وإلمام بمجال التأمين البحري والطيران والكوارث، وهذه هي القطاعات التي عادة ما تكون فيها إعادة تأمين لدى شركات عالمية، في ظل عدم وجود خبرات محلية تتفهم وضع هذه القطاعات ونشاطها عالميا. قال الحسيني إذا كان رأس المال يشكل 50 في المائة من نشاط الشركة فإن النسبة الباقية تتوقف على الكادر الذي يدير ويوظف هذه المبالغ في خدمات تأمينية تعود بالفائدة عليها.
كما أن الحسيني يرى أن شركات التأمين إذا رغبت في تأسيس شركة لإعادة التأمين، فإن هذا سيكون مجديا خلال ثماني سنوات من الآن، حيث يتوقع أن ترسخ هذه الشركة أقدامها في السوق محليا وإقليميا وعالميا عاما بعد عام.
في المقابل، قال لـ ''الاقتصادية'' سامر كنج مختص في قطاع التأمين وعضو اللجنة الوطنية لشركات التأمين في مجلس الغرف السعودية، إن أحد مبادئ التأمين يعتمد على مبدأ توزيع المخاطر وعدم وضع جميع الخدمات التأمينية في وعاء واحد. وأضاف أنه في حال حصر نشاط سوق التأمين في شركة واحدة تختص بمجال إعادة التأمين، فإن ذلك سيعرض السوق لعديد من المخاطر التي قد تؤدي إلى انهيارها، إذا واجهت هذه الشركة مخاطر محتملة، لذا فإن شركات التأمين حتى تلك التي تعمل في مجال إعادة التأمين تحرص على توزيع المخاطر على فئات مستفيدة من الخدمات التأمينية.
وذكر سامر أنه في حال قررت شركات التأمين المحلية توحيد جهودها ونشاطها في شركة واحدة لإعادة التأمين، فإن ذلك يتطلب توفير رأسمال ضخم لتغطية الخدمات التأمينية التي تقدمها هذه الشركة التي ستذهب إليها كل عوائد التأمين المالية. كما أن عددا من الشركات التأمين ستكون مضطرة، في حال فكرت في تأسيس شركة لإعادة التامين، فبحكم الشروط المفروضة من الممولين لهذه الشركة، يجب أن يكون لديها تصنيف ائتماني مرتفع. ويضيف: حتى تتمكن هذه الشركات من الحصول على التصنيف المرتفع، فإن ذلك يحتاج إلى وقت قد يستغرق ثلاث سنوات، وهذا في حد ذاته معضلة ستواجه كثيرا من شركات التأمين. كما أن تأمين منشآت الغاز والنفط سواء في مراحل الإنتاج والنقل والتصدير يحتاج إلى أموال ضخمة لتغطية تأمينها، كما خطوط الطيران ووسائط النقل البحري تحتاج إلى علاقات تجارية في الخارج ولها ممولون معروفون يفرضون شروطا معينة، من ضمنها أن تكون شركات إعادة التأمين مصنفة لا يقل عن (A) أو (AA) ويشير إلى أن شركات التأمين المحلية لديها علاقات تعاقدية مع شركات تأمين عالمية مختصة في مجال إعادة التأمين، وقد تكون شروط إعادة التأمين من قبل هذه الشركات العالمية أفضل بكثير من الشروط التي ستفرضها شركة إعادة التأمين في حال تم تأسيسها. وأوضح أن شركات التأمين في الخارج يمكن أن تكون لديها شروط ومزايا من حيث الأسعار لا تتمكن شركة إعادة التأمين المحلية من تقديمها.
وأشار سامر إلى أن السوق السعودية تفتقر إلى وجود خبراء في مجال إعادة التأمين، بالتالي فإن تأسيس مثل هذه الشركة يحتاج إلى وجود هؤلاء الخبراء. وقال إن شركات التأمين في السعودية عادة ما توزع مخاطر التأمين بين شركات أوروبية وآسيوية وأمريكية وأخرى عربية، ولا يتم وضع هذه المخاطر لدى شركة واحدة في مجال إعادة التأمين. وأضاف أن شركات إعادة التأمين نفسها لا تضع مخاطر التأمين في شركة واحدة، بل تتعامل مع عدد كبير من الشركات العاملة في مجال التأمين في مختلف أنحاء العالم، تحسبا لتعرض هذه الشركات لخسائر كبيرة. وبين أن شركات إعادة التأمين العالمية تدرس جيدا وضع شركات التأمين الراغبة في الاستفادة من خدمات إعادة التأمين. فشركات إعادة التأمين أيضا تنظر في تعاملها مع شركات التأمين من مبدأ توزيع المخاطر ومصادر دخلها على عدد من الشركات، حتى لا تكون معتمدة على مصدر واحد من شركات التأمين.
ويرى مختص آخر في قطاع التأمين، فضل عدم ذكر اسمه، أن الأقساط السنوية لبعض شركات التأمين يكون أقل بكثير من حجم رأسمالها المدفوع الذي يوجه قسم كبير منه إلى الاستثمار في نشاطات غير تأمينية، ويقتصر نشاط الشركة على الاحتفاظ بقدر محدود من أقساط التأمين المتحصلة، فيما تقوم بإعادة تأمين القسم الأكبر من عقود التأمين لديها لدى شركات خارجية، بحيث تحول دور معظم هذه الشركات من مؤسسات ضامنة للأخطار المؤمن ضدها إلى دور سمسار لدى شركات إعادة التأمين أو وسطاء إعادة تأمين خارجيين.
ويرى أنه نتيجة لأن أغلبية شركات التأمين المحلية تعتبر صغيرة الحجم، وأنه في ظل المتغيرات العالمية فإن الاندماج بين هذه الشركات قد يكون مطلبا من أجل الاستمرار والبقاء، حيث إن هذه الشركات قد لا تتمكن من الحصول على اتفاقيات مناسبة لإعادة التأمين، خاصة في ظل ضغوط يمارسها معيدو التأمين الدوليون بسبب الأوضاع المالية غير المستقرة لاقتصادات كثير من دول العالم خاصة في أوروبا. ويضيف حتى تتمكن شركات التأمين من أداء دورها بشكل جيد فإنها مطالبة بدراسة إمكانية الاندماج أولا فيما بينها لتكوين كيانات تأمينية كبيرة قوية ثم التفكير في القيام بنشاط إعادة التأمين ومنافسة الشركات العالمية من خلال تنويع منتجاتها التأمينية وإكسابها قوة تفاوضية مع الشركات العالمية، وبالتالي زيادة قدرتها على الاحتفاظ بأقساط التأمين محليا. وقال هذا الأمر يحتاج فقط إلى توفير مزيد من الحوافز المشجعة لعمليات الاندماج بين شركات التأمين وزيادة تحالفاتها على المستوى المحلي.

صحيفة الإقتصادية

تعليقات