التحكيم في التأمين

التقاضي ليس الوسيلة المثلى لحل نزاعات التأمين، حيث أصبحت إجراءات التقاضي تستغرق وقتاً وجهداً ونفقات كبيرة وهي سلبية تنعكس على نزاعات التأمين وبالتالي تؤدي إلى التأخير في حسم التعويض مصحوبة بتراكم الفوائد القانونية، وإبقاء ملف التعويض مفتوحاً لمدة طويلة، هذا إضافة إلى احتمال التضحية بالخصوصية القائمة بين شركات التأمين والمؤمن لهم، إن لم ينه التقاضي لكل العلاقة التجارية القائمة بين الطرفين، حيث يمكن هنا ذكر سببين رئيسين يعدان في حد ذاتهما مبررين كافيين لقصور التقاضي في أن يكون وسيلة فاعلة في حل نزاعات التأمين.


السبب الأول: تواضع الرصيد القانوني المساند لنزاعات التأمين:
بصورة عامة تعتمد أغلبية قضايا التأمين في حلولها على نظام السوابق القضائية المعتمد أساساً عل الفقه الإنجليزي في حين ترجع مفاهيم تشريعاتنا المدنية إلى تنظيم عقود التأمين إلى أصول قوانين لاتينية متأثرة بعض الشيء بمدارس الفقة الإسلامي المختلفة.
السبب الثاني: معظم الوثائق التأمينية لا تعكس الواقع القانوني المحلي:
تشكل وثائق التأمين المنسوخة عن وثائق تأمين أجنبية أو مترجمة عنها الغالبية من وثائق التأمين المستعملة، وبالتالي فإنها تحمل في طياتها سمات النظام القانوني الذي صيغت في ظله أكثر من انسجامها مع واقعنا القانوني. وبالتركيز على ما سبق نجد أننا لا نستطيع إلا أن نخرج بنتيجة مفادها أن التقاضي قد لا يكون الوسيلة المثلى لتسوية نزاعات التأمين.
التحكيم في نزاعات التأمين
أصبحت شركات التأمين أكثر ميلاً من ذي قبل إلى إحالة قضاياها إلى حيث يمكن التعامل معها بمهنية أكبر، ومن خلال إجراءات أقل تعقيداً وبالتالي اختصار الوقت وتقليل النفقات وتحقيق نتائج أفضل، مع الاحتفاظ بخصوصية النزاع عند الاقتضاء ودون الحاجة إلى التضحية بالعلاقة التجارية القائمة مع الطرف الآخر في النزاع، وبالرغم من ذلك هناك بعض المعوقات التي تقف في سبيل اتخاذ التحكيم أسلوباً في حل نزاعات التأمين فيها:
ـ تعارض وجود شرط التحكيم ضمن الشروط العامة لوثيقة التأمين مع القانون، حيث يتعارض أحياناً شرط التحكيم مع القانون الذي يعتبر التحكيم باطلاً إلا أن الشركات دأبت على وضع هذا الشرط من الشروط العامة في وثائقها بصيغ وأشكال مختلفة وليس على شكل اتفاق منفصل تجنباً لحكم البطلان الوارد قانوناً.
ـ ضيق الإطار القانوني للتحكيم: لقد أظهر التطبيق العملي لتلك الاتفاقيات ضيق الإطار القانوني الذي يحكمها والمتمثل في قانون التحكيم الذي لا يزال سارياً حيث يفرض ذلك القانون بأحكامه وإجراءاته على عملية التحكيم وأطرافها قيوداً تجعلها أقرب من أن تكون إلى التقاضي من أن تكون وسيلة ارتضاها الطرفان لتسوية خلافاتهما.
ومن هنا وبالنظر إلى أعلاه أقترح التغييرات التالية للخروج من هذا المأزق:
أولا: رفع شرط التحكيم من وثائق التأمين ويدرج النص التالي: في كل وثيقة "من المتفق عليه بمقتضى هذا العقد أن تحل كل الخلافات الناجمة عن هذا العقد بشكل نهائي طبقاً لاتفاقية التحكيم المرفقة طياً".
ثانيا: تطوير تشريعات التحكيم وإجراءاته: يمنح الأطراف ذات العلاقة حرية صياغة اتفاقية التحكيم وفقاً للقواعد والإجراءات المعتمدة من قبل مؤسسات التحكيم المتخصصة التي يقع اختيارهم عليها.
ثالثا: إعادة النظر في الإطار القانوني لوثائق التأمين: يمكن تحقيق هذا الهدف من خلال تحقيق توازن بين الغطاء التأميني الوارد في وثيقة التأمين وبين المتطلبات القانونية لإتمام عقود التأمين. دون التضحية بأية ترتيبات فنية مع مشاركي أو معيدي التأمين. اعتماد التحكيم المواسي، حيث إن من شأنه وجود مراكز تحكيم قطاعية تعمق مفاهيم التحكيم المهني في ذلك القطاع، حيث سيؤدي إلى اجتذاب الأشخاص المؤهلين، الذين سيكونون أكثر قدرة على التعامل مع نزاعات ذلك القطاع.

الإقتصادية