التقلبات الجوية والكوارث والتأمين على الممتلكات - د.صلاح بن فهد الشلهوب

خلال الفترة الماضية منّ الله بحمده علينا في المملكة وفي مناطق واسعة بأمطار الخير والبركة، وما يميز موسم الأمطار هذا العام أنه جاء في فترة ليس من المعتاد أن تنزل فيها الأمطار إلا نادرا، وهذه نعمة نحمد الله عليها ونسأل الله أن يزيدنا من واسع فضله ورحمته. كما هو معلوم أن الأمطار وبطبيعة الحال هي حياة للأرض ونعمة عظيمة، لكن قد يكون لها بعض الآثار التي تؤدي إلى كوارث وهلاك لبعض الممتلكات جزئيا أو كليا، كما أن الحرائق والزلازل وغيرها قد تحدث آثارا مدمرة في الممتلكات.
يذكر من قصص إحداث التحولات في النظرة إلى التأمين والعناية به أنه حصل حريق ضخم في المملكة المتحدة وبالتحديد في مدينة لندن أدى إلى احتراق جزء كبير من المدينة ومن ممتلكات الأفراد، وهذا ما عزز عناية الغرب بالتأمين، بل تمارس بعض الدول الإلزام بالتأمين على أنواع من الممتلكات، وتحرص كثير من الشركات على التأمين على ممتلكاتها من احتمالات حصول هلاك عام لهذه الممتلكات يكبد الشركة خسائر كبيرة، بل قد يؤدي إلى عدم قدرة هذه الشركات على إعادة نشاطها كما كان.


مسألة التأمين وحكمها الشرعي من القضايا التي أخذت حيزا كبيرا من جهود الفقهاء المعاصرين، ففي الوقت الذي يرى البعض أنه مباح بمختلف صوره، نجد أن البعض الآخر يقول بالتحريم مطلقا، في حين أن الأغلبية ترى التفريق بين ما يسمى التأمين التعاوني، والتأمين التجاري باعتبار أن النوع الأول من باب التبرعات في حين أن التأمين التجاري من باب المعاوضات، وعقود المعاوضات مبنية على المشاحة وليس على التبرع، وبالتالي فإن طبيعة عقود التأمين تتضمن التفاوت في العوض بين المشتركين، وهذا ما يسمى بالغرر، وذلك بسبب هذا التفاوت في العوض المقدم، إضافة إلى عدم إمكانية توقع حجم ما يمكن أن يتقاضاه كل مشترك في المستقبل.
إلا أن التأمين عموما لا يمكن أن يوصف في أنواع مثل التعويضات التي تكون ناتجة عن تلف بأنه قمار، إذ إن غاية ما يقدمة التأمين هو إعادة الشخص إلى الحالة التي كان عليها كليا أو جزئيا قبل الحادث أو الكارثة، وليس وسيلة في الأصل للتكسب كما هو في القمار، والتأمين، كما قال بعض الخبراء إن التأمين جد والقمار هزل، لا يمكن قياسه على القمار.
جاء في تقرير في صحيفة "الاقتصادية" في العدد (7155) عن تزايد الوعي بعد الكوارث المناخية أنه زاد – بحسب أحد المختصين – في بعض الشركات الإقبال على التأمين على الممتلكات بنسبة 12 في المائة، والتأمين على الممتلكات وإن كان موجودا في الأساس وتقبل عليه الشركات الكبرى وبعض رجال الأعمال، إلا أن الشركات والمشاريع الصغيرة التي تعتبر أحوج إلى مثل هذا النوع من التأمين ليس لدى ملاكها الوعي الكافي بأهمية التأمين على ممتلكاتهم، حيث إن التأمين على الممتلكات يعزز إمكانات هذه المشاريع بأمور منها:
أنه يعزز إمكاناتها في الالتزام بشروط السلامة التي قد تمنع - بإذن الله - أو تخفف من أثر الكوارث، إذ إن شركات التأمين لها اشتراطات لقبول الاشتراك في التأمين التي تتضمن الالتزام بشروط السلامة. ومن ذلك أيضا أن هذه المشاريع في الغالب محدودة وحدوث كارثة لها في مكان ما قد يؤدي إلى هلاك المشروع بالكلية أو جزء كبير منه، لذلك فإنه نشأ في الغرب ما يسمى الصناديق التبادلية (Mutual Fund) بين أصحاب الحرف والمهن، ويهدف إلى تعويض المشترك إذا ما حدثت له كارثة بما يمكنه من إعادة نشاطه.
وبما أن التنوع اليوم في طرق التأمين التي بدأت تتوسع، ومن المتوقع أن يكون الإقبال عليها بشكل أكبر مستقبلا، لا بد أن تعمل شركات التأمين على تطوير أدواتها بحيث تكون لديها معلومات ودراسات عن السوق، وأن يكون تقييمها للسوق بناء على معلومات دقيقة وشاملة، وأن تقيم السوق بناء على أسس علمية ودراسات اكتوارية، حيث إننا نلاحظ اليوم فشل بعض شركات التأمين، والبعض الآخر ليس لديه معلومات كافية ودراسات علمية لتقييم السوق، لذلك نجد أن بعض الشركات حققت خسائر بسبب زيادة مطالبات المشتركين. وبطبيعة الحال فإن إفلاس بعض هذه الشركات رغم قلتها عطفا على حاجة السوق قد يؤدي إلى احتكار البعض لخدمات التأمين، وعدم الإيفاء بحاجة السوق التي أصبحت تتزايد.
الخلاصة أن قطاع التأمين سيشهد توسعا مع زيادة الوعي بالحاجة إليه في بعض القطاعات والحالات، وهذا يستدعي مزيدا من المهنية ودراسة السوق السعودية على أسس علمية، خصوصا بعد الخسائر التي لحقت ببعض الشركات في هذا القطاع.

تعليقات