ماذا لو افلست واحدة من شركات التأمين العربية ؟ جوزف زخور

يجيز القانون التعاوني السعودي، وهو الاحدث والاكثر تقدما بين قوانين التأمين في الدول العربية، تأسيس شركة تأمين برأسمال قدره 100 مليون ريال سعودي (35 مليون دولار اميركي) .
 وهذا الرقم هو الاعلى بين الحدود الدنيا لرساميل شركات التأمين العربية. ومع ذلك فإنه يبدو متدنيا، قياسا بالالتزامات التي تترتب على شركة التأمين في حال تعثرت وتوقفت عن الدفع.
اذ بات معلوماً ان معظم شركات التأمين العربية غاصت حتى الاذنين في اخطار التأمين الصحي واخطار السيارات. وتلك الاخطار لا تغطيها شركات اعادة التأمين الا على اساس تجاوز الخسارة EXCESS OF LOSS   ما يعني ان الشركة المسندة تُجبر على ان تحتفظ لحسابها الخاص بحصة مهمة من الخطر قد يتراوح بين 25 و50 الف دولار اميركي من كل مطالبة وهذا ما يعرف بنقطة التجاوز EXCESS POINT على ان تتولى شركة اعادة التأمين تغطية الخسارة التي تفيض عن نقطة التجاوز .
والتزامات شركات التأمين العربية تضاعفت واخذت احجاما خيالية بعد ان اخذت شركات اعادة التأمين تمتنع عن تغطية الزلازل والكوارث الطبيعية على نحو شامل.


فبعد كارثة 11/9/2001 وتكاثر الزلازل والفيضانات في العالم، وكي يمكن لها ان تختصر التزاماتها المحتملة عند حصول الكوارث، عمدت شركات اعادة التأمين الى تخصيص حدّ اقصى من المال  تتعهد بدفعه لشركة التأمين في حال حصول كارثة. وذلك المبلغ بات يعرف بالحد الاقصى لمسؤولية المعيد عن الحدث الواحد EVENT LIMIT.
وبذلك تترك شركات الاعادة للشركة المسندة ان تواجه قدرها في حال تجاوزت الاضرار الناتجة عن الكارثة الحد الاقصى لمسؤولية المعيد عن الكارثة الواحدة، وهذا احتمال وارد. من هنا، يمكن القول ان الشركات المسندة باتت »مكشوفة« حيال الكوارث.
ولو جمعنا الالتزامات التي تأخذها شركة التأمين في العالم العربي، في مجالي التأمين الصحي والتأمين على السيارات، وتلك التي يمكن ان تواجهها عند حصول كارثة طبيعية، فإننا لسوف نصل الى ارقام مذهلة ان لم نقل مرعبة.
ذلك ان ايا من شركات التأمين العربية وبالغا ما بلغت قدراتها المالية لن تكون قادرة على استيعاب تلك الالتزامات. ما يعني ان حقوق حملة العقود الصادرة عنها هي اليوم او انها سوف تكون غدا في مهب الريح.
وكان يمكن لنا ان نغض الطرف عن هذه الحقيقة المرة لو ان المسؤولين العرب لا سيما الهيئات العربية للاشراف على التأمين اقتدت بسواها من الــــــدول المتطورة والنامية، وانشـأت مؤسسات وصناديـق وطنية تعنـى بضمان حقوق حملة عقود التأمين او جمهور مستهلكي خدمات التأمين  INSURANCE CONSUMER PROTECTION FUNDS POLICY  HOLDERS GUARANTEE CORPORATION
وهذا النوع من المؤسسات اوجد في معظم انحاء العالم منذ عشرات السنين. والغرض من انشائها هو ان تضمن عدم ضياع حقوق المستهلك، كما تضمن لاصحاب الاموال المودعة لدى شركات التأمين على الحياة بموجب عقود تأمين استثمارية INVESTMENT LIFE POLICIES عدم تبخّر أموالهم في حال تعثرت الشركة الضامنة.
وتغذّى المؤسسات والصناديق الوطنية بنسبة مئوية تقتطع سنويا لمصلحة المؤسسة من الاقساط التي تستوفيها الشركات من مستهلكي خدماتها.
الدول العربية لم تشهد حتى الآن اي عمليات افلاس تذكر في مجال التأمين والاعادة، الا اننا في لبنان شهدنا افلاس حوالى دزينة من شركات التأمين، وقد  عهد بتصفية كل من  تلك الشركات وتوزيع ما تبقى لديها من اصول على الدائنين الى مدير تفليسة (SYNDIC) الا ان اياً من هؤلاء لم ينجز مهمته حتى الآن، ورغم مرور اكثر من 15 سنة على تسلمه مهامه!!
وهذا الواقع يطرح اسئلة كثيرة حول الاصول المعتمدة في تصفية الشركات المفلسة في لبنان، لا سيّما الأتعاب التي يتقاضاها »السنديك« خلال فترة التصفية وهي غير محدودة زمنيا!
 وفي جميع حالات الافلاس التي عرفها لبنان لم يتمكن اي من دائني الشركات المشار اليها ان يقبض ولو جزءاً ضئيلاً من ديونه العالقة.
ومن بين هؤلاء متضررون من حوادث السيارات وطوارئ العمل واصحاب ودائع عهدوا بها الى الشركة لادارتها بموجب عقد التأمين على الحياة، كما من بين الدائنين أطباء ومستشفيات ومقدمو خدمات اخرى.
كما فقد حملة عقود التأمين الضمانة التي كانوا قد دفعوا قسطها الى الشركة التي توقفت عن الدفع فجأة، واضطروا الى التعاقد مرة ثانية ومع شركة تأمين اخرى على نفقتهم.
وقبل بضعة اشهر، علق وزير الاقتصاد والتجارة محمد الصفدي الترخيص الذي تحمله شركة تأمين لبنانية.
وفي جميع حالات الافلاس، وتعليق الترخيص، لم تتخذ وزارة الاقتصاد والتجارة التي تعنى بالرقابة على هيئات الضمان اي تدبير من شأنه ان يضمن استمرارية عقد التأمين في حال التعثر أو إلغاء الترخيص، كما لم تتخذ أي إجراء لضمان الأموال المودعة لدى شركات التأمين على الحياة.
واني اضع هذه الوقائع امام الجمعيات الاهلية لحماية المستهلك العربي واتحادات وجمعيات شركات التأمين    لعلها تتحرك وتضغط لاقناع المسؤولين بوجوب اللحاق بالعالم المتقدم وصيانة حقوق واموال المتعاقدين مع شركات التأمين العربية والمتعاملين معها.
وانصافا للواقع اذكر هنا ان هيئة الاشراف على التأمين في الاردن قامت بمحاولة لانشاء مؤسسة وطنية لضمان حقوق حملة عقود التأمين، الا ان محاولتها اجهضت قبل ان تولد وذلك بذرائع شتى.
خلاصة القول ان حقوق المستهلك العربي ما تزال غائبة عن جداول اعمال مجتمعاتنا العربية.
وانها لحقيقة ناصعة ان مجتمعاتنا العربية تأخذ عن الدول المتقدمة ما تلبس وتأكل وما تتمتع به من المقتنيات الخاصة كالطائرة الجت JET والسيارة الفخمة الخ ... اما حقوق الناس وغيرها من معالم الحضارة الحقيقية فما تزال منسية.
ماذا يحصل لو اعلن افلاس اي شركة تأمين عربية بعد اليوم؟ ومن هي الجهة التي تتكفل بضمان الحفاظ على حقوق حملة عقود التأمين او اموالهم المودعة لدى شركات التأمين العربية؟ الجواب: لا شيء ولا احد.

تعليقات