شركات التأمين وهموم المحامين - د.فهد بن حمود العنزي


يقول لي محام صديق تخصّصَ في قضايا التأمين إنه وصل إلى قناعة مفادها أنه رغم القدرات المهنية والمعرفية الواسعة التي يتمتع بها، إلا أنه لا يستطيع التنبؤ بالنتيجة التي يمكن أن تؤول إليها القضية التي يباشرها لمصلحة عميله. هذا الصديق يعزو إخفاقه الذي لا ذنب له فيه، إلى عدم توافر مؤشرات موضوعية أو فنية يتمكن من خلالها من استقراء النتيجة أو النتائج التي يؤول إليها قرارالفصل الذي يصدر بشأن قضية تأمينية لدينا في المملكة.
ومع ما يذكره هذا الصديق وغيره عن هذه الخصوصية المحلية لقضايا التأمين في المملكة، فإن ما يثير الدهشة هو أن مهنة التأمين هي من أكثر المهن التي تعتمد في ممارستها على قواعد فنية دقيقة لا يجد المتخصص في التأمين أدنى صعوبة في استقراء النتائج التي تترتب عليها بل وبسهولة كبيرة. فهذه القواعد لم تترك فرصة للاجتهاد أو التأويل.



ومن يعمل في هذا الحقل يدرك جيداً ما أقوله. كما أن قواعد التأمين هي قواعد موحدة وذات بعد عالمي وهي لا تختلف من دولة لأخرى لأنها تعتمد على صناعة عالمية تتداخل فيها مصالح وتعاملات الشركات على مستوى العالم كله. فكما أن الطبيب يستطيع أن يخبر مريضه بفرص نجاح علاجه أو العملية الجراحية التي سيجريها له لأنه يعتمد في عمله على معايير فنية ومهنية دقيقة، فإن المحامي في التأمين قادرٌ أيضاً على إعطاء عميله مؤشراً دقيقاً لفرص كسب القضية التأمينية اعتماداً على معطيات فنية قانونية قلما توجد في مجالات قانونية أخرى غير التأمين. وإذا كان هذا هو ديدن مهنة التأمين على المستوى العالمي، إلا أن الوضع لدينا مختلف كلياً، إذ قلما يتم الاستناد في قضاء التأمين على المعايير الفنية أو القانونية المعتمدة، مما يغيّب تماماً إمكانية التوقع.

طبعاً هذا الوضع يذكرني بقضية تأمينية طريفة كنت فيها أحد أعضاء هيئة التحكيم، إذ أصر أحد أعضاء اللجنة على أن يكون الحُكم لمصلحة العميل على الرغم من المخالفات الكبيرة التي ارتكبها هذا العميل والتي تصل إلى حد الإهمال الجسيم. فإحدى هذه المخالفات كانت تحويل المكان المؤمن عليه من مكان تخزيني أو مستودع لخزن الجلود إلى مصنع يستخدم للتصنيع ونزع الأصواف وتجفيفها بالمراجل البخارية، إضافة إلى استخدام مواد كيماوية تسببت في احتراق المستودع كاملاً، وكانت حجة هذا العضو تتمحور حول فكرة أنه طالما أن العميل قد دفع القسط فإنه يستحق التعويض مباشرة، وكان يقول لي حينما عارضت فكرته هذه بأنه طالما أن عقد التأمين هو من عقود المعاوضة فإن العميل يستحق التعويض بمجرد حصول الضرر دون قيد أو شرط أي بمجرد أنه قام بدفع القسط!.

إن ما أخشى حصوله والحال كذلك هو أن تتحاشى شركات التأمين لدينا اللجوء إلى جهات الفصل في منازعات التأمين لأنها ستعلم النتيجة سلفاً. كما أن هذه الشركات سترى أنه ليس هناك أية جدوى من دفع تكاليف التقاضي أمام هذه الجهات لأنه مهما كان الحق بجانبها ستضع احتمالاً كبيراً بأنه سيحكم ضدها، وهذا سيؤدي حتماً إلى أن تبحث عن بديل آخر لتسوية هذه الخصومات، أو أن تبحث عمن يعوّضها ما ستخسره جراء هذا الواقع. وسيكون الحل ودون أدنى شك هو (جيب) العميل، أي في رفع كُلفة التأمين، إذ إن هذه الشركات ستنقل في النهاية عبء تحمل هذه المخاطر إلى عملائها وستوزعها عليهم. فهي وبالمختصر المفيد ستحسب أرباحها وستعرف كيف تصل إليها، ونحن في النهاية من سيدفع الثمن.

تعليقات