هل التأمين مضيعة للمال ؟ عيد عبدالله الناصر

تعرض أحد الأصدقاء الى مشكلة مع شركة التأمين فشرح مشكلته قائلا : امتكلت و قدت سيارتي الخاصة لسنين طويلة و بدون حوادث والحمدلله، وفي أحد الأيام أقنعنى صديق بفوائد التأمين فاشتريت تأمين على سيارتي. و مرت سنتان بدون حوادث وبعدها قررت عدم تجديد الوثيقة، فالأمان بالله سبحانه وتعالى. وكل ما جنيته من شراء التأمين هو دفع أقساط التأمين بدون أي استفادة في حين أن شركة التأمين هي التي ربحت المال.
لو كنت مكاني ألا تعتقد ان شراء التأمين يعتبر مضيعة للمال؟


الرأي:
بداية دعني أوضح حالتين للتأمين: الأولى التأمين الإلزامي على المركبات (أو غيره ذلك مما يحدده القانون …) وهذا يعني بأن من لم يشتره يعتبر مخالف للقانون لأنه متعلق بحق الغير ممن تعرضوا للضرر. والناني هو التأمين الإختياري، وهذا النوع يتعلق بالممتلكات الخاصة للشخص (الأضرار التي تتعرض لها مركبة الشخص مثلا). بعد هذا التوضيح دعونا نعود للتعليق على السؤال.
النصيحة التي يقدمها خبراء التأمين دائما تقول: اذا كنت تستطيع أن تتفادى التأمين فافعل، فالتأمين هو مثل الكي عند العرب، يكون عادة آخر العلاج. التأمين لا يمنع الحوادث، و لا يوقف القدر، ولا يطفيء الحريق، كل ما يعمله التأمين هو أن يعوضك عن الأموال التي تخسرها في حال تعرضك الى حوادث مغطاة بوثيقة التأمين التي اشتريتها. التأمين يهدف الى اعادتك الى الوضع المالي (وليس الوضع النفسي أو الاجتماعي)الذي كنت عليه قبل وقوع الحادث و بدون أن تتمتع بأية أرباح من هذا التعويض.

وهناك مجموعة من الملاحظات يجدر الانتباه اليها، وهي:
1) الحوادث لا تخبرنا متى ستقع، قد تمضي سنوات طويلة ولا يقع لنا حادث، و لكن قد تمر علينا أيام قليلة نتعرض خلالها الى حادث أو أكثر.
2) نحن لا نشتري التأمين منتظرين الحوادث أن تقع، بل نشتري التأمين و نحن ندعو الله أن لا نتعرض فيها الى حوادث، ولكن لو وقعت هذه الحوادث فعلى الأقل فان ما يترتب عليها من النواحي المالية سوف يكون هناك من يقف الى جانبنا للمساعدة.
يقول مؤيدو التأمين بأنه يوفر لمشترية نوعا من الحماية. ويقصدون بذلك الحماية ضد التعرض الى خسائر مالية. مشكلة الحماية التي توفرها وثيقة التأمين بأنها غير مرئية، و غير ملموسة،و لا يمكن معاينتها، واللحظة الوحيدة التي يمكن فيها معاينة هذه الحماية و تلمسها هي حين يقع لنا حادث و تقوم شركة التأمين بدفع التعويضات المطلوبة. و هذه اللحظة قد لا تأتي أبدا، أو قد تطول الى عقود. ولكن للايضاح دعنا نضرب مثلا بحماية من النوع الملموس. فبعض الأغنياء يكون لديهم طاقم حراسة لمنازلهم و لهم شخصيا أثناء تنقلاتهم و ترحالهم حول العالم. و تمضي عشرات السنين و هذا الغني أو ذاك يصرف الملايين على أطقم الحراسة هذه و بدون أن يتعرض الى أي ضرر من أي طرف كان. و هو يشاهد هؤلاء الحراس كل مرة يركب بها سيارته أو طائرته أو يخرج من منزله ويتحدث معهم. فهو يشعر بالأمن لاحساسه بأن هؤلاء الأشاوس سوف يكونون بالمرصاد لكل من تسول له نفسه تجاوز الخطوط الحمراء. فهذا شيء ملموس. ولكن ماذا لو شب حريق في أحد مصانع هذا الغني هل سينفعه هؤلاء الأشاوس في اطفاء الحريق أو دفع تكلفة اعادة بناء المصنع و تشغيله. بالتأكيد لا، ما سينفعه هي وسائل منع الخسائر و التقليل منها التي ركبها في مصنعه، و كذلك وثيقة التأمين التي يحتفظ بها مع أوراقه المهمة، اذا كان عنده تأمين.
فالسؤال البسيط الذي من المفروض أن يسأل الواحد منا نفسه هو: لو وقع لي حادث بالسيارة، و خسرت سيارتي، و حكم علي القاضي بتعويض السيارة الأخرى و كذلك دفع ديات لثلاثة أشخاص أو أكثر من الركاب الذين توفوا نتيجة الحادث مع السيارة الأخرى، هل أستطيع أن أدفع هذه الأموال دون أن أتعرض الى محنة اقتصادية أو اجتماعية؟
اذا كان جوابك نعم فعليك أن تتذكر بأن هناك تأمين الزامي اذا لم تشتره فأنت مخالف للقانون. واذا كان جوابك بلا، فأنت في هذه الحالة قد ارتكبت خطئين، أولهما أنك خالفت القانون بعدم شرائك لوثيقة التأمين الألزامي والثاني انك وضعت نفسك في موقف مالي متعب قد يؤثر عليك وعلى اسرتك لفترة من الزمن قد تطول أو تقصر اعتمادا على مدى الضرر. فانت قد لا تحتاج الى التأمين بشكل ضروري ولكن اذا كان جوابك ب”لا” فعليك أن تفكر من الآن ماذا ستفعل لو لا قدر الله و حدثت لك هذه المشكلة.
التفكير السريع يقول بأن أمامك مجموعة من الخيارات منها:

أ) أن لا تقود السيارة أبدا حتى لا تتعرض الى هذه المشكلة،
ب) أن تبدأ حالا بتوفير المال في صندوق خاص حتى اذا جاء وقت الحاجة ربما يكون فيه ما يساعدك على تجاوز المحنة،
ج) أن تكون مستعدا نفسيا لمد يدك طلبا للعون من الأصدقاء في المجالس وأهل الخير في الشوارع و أمام المساجد,
د) أن تلتزم بالقانون و تشتري وثيقة تأمين لا تكلفك أكثر من ريالا في اليوم.
عيد عبدالله الناصر


ا

تعليقات