التأمين ضد مخاطر السيول - د.فهد بن حمود العنزي

كنت قد كتبت سابقاً عن تأمين المنازل ضد مخاطر السيول، وتمنيت وقتها لو كان هذا التأمين إلزامياً على ملاّك البيوت.على أن يكون تحت إشراف مباشر من الدولة على شركات التأمين بحيث يكون مبلغ التأمين زهيداً. كأن يضاف مثلاً ضمن فاتورة المياه أو الكهرباء بحيث لا يثقل كاهل المواطن ولا يشعر به. ولكنه حتماً سيمثل له قيمة كبيرة حينما يتعرض منزله للانهيار أو الضرر بسبب الأمطار أو الكوارث البيئية الأخرى.
ويبدو أن الإشكالية كانت أكبر مما كنت أتخيل، فبعد هطول الأمطار على منطقة تبوك في الأسبوع الماضي أدركت أن هذه المخاطر لا تقتصر على المنازل وممتلكات المواطنين، بل تعدت ذلك إلى إحداث أضرار معتبرة في الطرقات وفي الممتلكات العامة الأخرى، هذا علاوة أيضاً على المشاريع الحكومية الخاصة بإسكان المواطنين السعوديين.


فالسيول لا تفرّق بين ما هو مملوك لمواطن وما هو مملوك للدولة، وليس هناك أدنى شك في أن الأضرار التي تحصل للمواطنين هي أضرار قاسية لا يستطيع المواطن العادي تدارك أثرها. فمن أمضى سنوات من عمره وهو يضيّق على نفسه من أجل أن يبني له ولأسرته بيتاً يأويه، أو من استدان ورتب على نفسه القروض تلو القروض ليبني له مسكنا ثم يأتي سيل هائج يبتلعه ابتلاعاً، أو من استدان لكي يشتري له سيارة فيراها أمام عينيه والسيل يعبث بها يمنة ويسرة ولا حيلة له سوى أن يذرف الدموع عليها، هو أمر محزن ومؤلم حقاً.
ومع ذلك فهذا الأمر يجب ألا ينسينا ما يصيب الممتلكات العامة من أضرار جراء مخاطر السيول أو الكوارث البيئية الأخرى. فهذه الأضرار سيكون أثرها أعم وأشمل،لأن الفائدة منها هي للجميع، والمنفعة منها هي منفعة عامة. كما أن ترميم الأضرار التي تصيبها سيربك الصرف من بنود الميزانية العامة للدولة واحتياطياتها، هذا علاوة على أن ترميمها في الغالب سيكون بمبالغ كبيرة ووفق مناقصات وإجراءات تستهلك المزيد من الجهد والوقت. مما قد يؤثر سلباً في خطط التنمية التي تسعى الدولة إلى تحقيقها.
إن الحل هو في إشراك التأمين في تحمل المسؤولية في ترميم الأضرار التي تنشأ عن المخاطر البيئية بما في ذلك السيول. وهو أقل ما ينبغي أن نقوم به تجاه واجب المحافظة على الممتلكات العامة وتجنيب الدولة الخسائر المفاجئة التي يمكن أن تحصل جراء حصول هذه المخاطر - لا قدر الله - وهذا ما ينبغي أن يكون كذلك تجاه الملكيات الخاصة للمواطنين، لتجنيب خزانة الدولة المطالبات المتكررة كل عام بالتعويض عن الأضرار التي تصيب ممتلكاتهم.
وبالنسبة لشركات التأمين، فينبغي ألا تكون سياستها تجاه مثل هذه المخاطر هو الاستبعاد دائماً أو التشدد في شروطها، بل ينبغي أن تُنمى سوق التأمين ضد المخاطر البيئية في المملكة، وينبغي كذلك أن يكون دورها فاعلاً كذلك تجاه منع حصول هذه المخاطر من خلال نشر ثقافة التعامل مع المخاطر والتقليل من حصولها ومحاصرتها في أضيق نطاق ممكن. ويلزم كذلك أن تضع المعايير مع الجهات المعنية لتقليل كُلفة هذه المخاطر والتخفيف من آثارها قدر الإمكان. وذلك حتى تكون ضمن دائرة المخاطر المقبول التأمين عليها ووفق أسعار غير مبالغ فيها. فالجميع منوط بهم نشر ثقافة التعاون على عدم حصول الخطر، وإن كان لابد أن يحصل فيلزم أن يكون بأقل الآثار، وسيكون بمقدور شركات التأمين بعد ذلك تحمل عبء التعويض. فهذه الشركات لم توجد إلا لتغطية المخاطر التي تترتب عليها خسائر مالية. حفظ الله الجميع من كل مكروه.


تعليقات