الأخطاء الطبية .. والتأمين - د.فهد بن حمود العنزي

أصبحت الأخطاء الطبية هاجساً يؤرق كثيراً من الناس لدينا، والحديث عنها يتم تناوله في المجالس والمناسبات باعتباره يمثل حدثاً متكرراً. وفي الحقيقة إن هذا الأمر يعكس وعي الناس وانشغالهم بالقضايا الأساسية المرتبطة بالخدمات الصحية وتقييمها، وهذا يمثل بلا شك ظاهرة صحية. ومع أنه يصعب معرفة عدد الأخطاء الطبية التي ترتكب في مستشفيات المملكة، وما إذا كان ما تعرض له المستفيدون من خدمة العلاج من مضاعفات تعد من قبيل الخطأ الطبي من عدمه كذلك، إلا أن ارتفاع وتيرة شكاوى الناس من الأخطاء الطبية وتكرر حصولها، وما تعرضه الصحافة الورقية والإلكترونية من حوادث متكررة في هذا الشأن وبشكل شبه يومي يدعونا للتأمل تجاه هذه المشكلة.



ومع صعوبة إعطاء إحصائية موضوعية عن الأخطاء الطبية بسبب إحجام نسبة كبيرة من الذين يتعرضون لمثل هذه الأخطاء أو من ورثهم عن التقدم بالشكاوى خاصة في حالات كالوفيات، فإن عدد الأخطاء الطبية التي تقدم ذوو الشأن بشكاوى إلى الهيئات الطبية الشرعية بشأنها بحسب ما صرح به أحد مسؤولي وزارة الصحة في إحدى الندوات الذي عقدت قبل نحو عام لهذا الغرض، فإن مجموع القرارات الصادرة في هذا الخصوص 670 قراراً صدر منها 51 بالحق الخاص و130 بالحق العام.
وبالنسبة للتعويضات فإنه لا يعرف على وجه الدقة حجم هذه التعويضات، وإن كانت إحدى كبريات شركات التأمين قد أعلنت عن دفعها تعويضات تقدر بنحو 20 مليون ريال خلال خمس سنوات، إلا أن هذه التعويضات لا تعد مؤشراً دقيقاً تقاس عليه نسبة الأخطاء الطبية، فمن وجهة نظري فإن حجم هذه التعويضات التي حكمت بها اللجان الطبية الشرعية متواضع. وهذا يرجع لعدة أسباب منها أن مبلغ الدية المعمول به في السابق كان قليلا جداً وقديما ولم يكن يتماشى مع المتغيرات الاقتصادية. كما أن مفهوم التعويض المعمول به في اللجان الطبية الشرعية وشموليته لأضرار معينة بحاجة إلى مراجعة أيضاً، خصوصاً فيما يتعلق بالأضرار المعنوية والنفسية التي تطول من وقع ضحية للأخطاء الطبية، وعلى وجه التحديد أولئك الذين تعرضوا لتشوهات جسدية نتيجة هذه الأخطاء، حيث لا يجب أن يقتصر الحكم بالتعويض على الوفاة أو فقد المنفعة! بل يلزم أن يمتد التعويض للأضرار المعنوية التي تطول ضحايا الأخطاء الطبية. حيث إن تطبيقات التعويض عن الأضرار المعنوية معروفة وثابتة في الفقه الإسلامي.
وبالنسبة للتأمين فهو لا يقضي على الأخطاء الطبية ولكن يساعد في الحد منها، لأن شركات التأمين ستتشدد في شروط التغطية التأمينية على الأطباء والممارسين الصحيين، فالهدف من التأمين على الأخطاء الطبية هو ضمان تعويضات مجزية وسريعة للمتضررين من حصول هذه الأخطاء وذويهم. كما أن التأمين يشكل محفزاً مهماً لضمان عدم تردد اللجان الطبية في الحكم ضد مرتكبي الأخطاء الطبية في حال ما إذا كانت بعض جوانب مسألة الإدانة خاضعة لسلطتها التقديرية.
وإذا تكرر الخطأ من الطبيب فإن النتيجة الطبيعية هي رفع القسط التأميني أو التشدد في شروط تغطية الخطر الذي تم التأمين عليه في السابق. وتخضع النسبة التي يتم فيها رفع مبلغ القسط في حالة ما إذا لجأت شركة التأمين لذلك لعدة اعتبارات منها عدد الأطباء في المستشفى إذا ما كان التأمين يتم مثلاً على أطباء مستشفى معين ومصلحة الشركة في البقاء على علاقة مع المستشفى أو المركز الصحي. ولكن إذا كان التأمين قد حصل بين الشركة والطبيب مباشرة فلا شك أن نسبة رفع مبلغ القسط ستكون عالية جداً. والتأمين على الأخطاء الطبية هو في صالح كل الأطراف أي المريض والطبيب أو المستشفى ويُنظر إلى التأمين في هذه الحالة على أنه يساعد الأطباء على غرس الثقة في عملهم ويجنبهم الخوف والتردد لعلاج مرضاهم. وقانا الله وإياكم هذه الأخطاء.

تعليقات