مجتمعاتنا الشرقية لم تدرك بعد أهمية التأمين - داوود سالم توفيق

لتوضيح الأهمية التي يحظى بها قطاع التأمين في المجتمعات الغربية وأسباب هذه الحظوة لنضرب المثل التالي: عدد الكويتيين يفوق المليون نسمة بقليل، ولو قام كل مواطن كويتي بدفع دينار واحد شهريا ولمدة سنة كاملة للمساهمة في صندوق تعاوني بغرض رعاية أطفال يعانون مرض السرطان مثلا، سيكون إجمالي ما سيتم جمعه بنهاية الشهر أكثر من مليون دينار كويتي، أو أكثر من 12 مليون دينار كويتي بنهاية سنة كاملة. ولو رفع سقف المساهمة لكل فرد إلى 10 دنانير لوصل إجمالي المبلغ إلى عشرة ملايين دينار ولما أثرت على ميزانية أي أسرة كويتية.
ماذا لو قام رب كل أسرة بسداد 20 دينارا شهريا لشركة تأمين عن كل طفل من أطفاله الثلاثة في المرحلة الابتدائية حتى وصوله إلى نهاية المرحلة الثانوية – على افتراض أن متوسط عدد أطفال كل أسرة كويتية لا يزيد على ثلاثة أفراد - من أجل أن تتكفل شركة التأمين فيما بعد بكل تكاليف الدراسة الجامعية التي تزيد مدتها عن الأربع سنوات في المتوسط؟. حينها وبعد انقضاء الإثنتي عشرة سنة سوف يكون إجمالي المبلغ المتجمع لدى شركة التأمين 2880 دينارا عن كل طفل، أو 8640 دينارا عن كل أسرة. وهذا يعني أن إجمالي المبلغ المدفوع من قبل كل الأسر الكويتية بنهاية السنوات الإثنتي عشرة سوف يفوق 1.7 مليار دينار كويتي.


تكاليف الدراسة
ماذا لو قالت شركة التأمين لكل رب أسرة إن تكاليف السنة الدراسية الجامعية الواحدة لكل واحد من أبنائه سوف تشمل تذاكر سفر ونفقات السكن والمأكل والمشرب ورسوم الجامعة والعلاج، وإنها سوف تزيد على ثلاثة آلاف دينار وسوف تسدد من قبل شركة التأمين التي ستكتفي بالمبلغ المدفوع من قبل رب الأسرة وهو 2880 د.ك.؟. وماذا لو قالت شركة التأمين لرب الأسرة إنه في حال رغب الانسحاب من هذا الاتفاق في أي لحظة فإنه سيحصل فقط على نصف المبلغ الذي سدده طوال تلك الفترة؟.
لاحظ أن هذا المبلغ الملياري جمع من خمس إجمالي عدد أفراد المجتمع الكويتي، لتقوم شركة التأمين باستثماره في شتى القنوات الاستثمارية والمساهمة بشكل فاعل في نمو الاقتصاد الوطني. في الحقيقة هذا هو أساس عمل التأمين الذي يمكن أن يمنح مسارات اقتصادية عديدة وقنوات استثمارية متنوعة، وكلما زاد حجم المبالغ المتحصلة زادت الفرص الاستثمارية في الوقت الذي تقل فيه نسبة الخسائر أو المخاطر، بل إن التأمين أصلا قائم على أساس ضآلة نسبة المخاطر، إذ انه لو كانت هذه النسبة عالية لما كان هناك شيء اسمه تأمين.
العمل المصرفي
والتأمين عموما يقترب في جوهره من العمل المصرفي مع بعض الفروقات. فالبنوك وببساطة متناهية تتسلم أموال الأفراد والمؤسسات مع الوعد بإعادتها إليهم بعد مدة زمنية محددة وبزيادة محددة وفق الاتفاق على نسبة الفائدة. وإذا ما واجه العميل صاحب الوديعة أي مشكلة مالية أثناء فترة وجود الوديعة بحوزة البنك، فإن البنك غير ملزم بتاتا بتعويض المودع بأي صورة من الصور. بينما شركة التأمين ملتزمة بتعويض المؤمن عليه في حال ما أصيب بأي خسائر مادية متفق عليها ضمن وثيقة التأمين حتى وان لم يستكمل المؤمن عليه سداد كامل أقساطه. ولهذا فإن التأمين بشكل عام ما هو إلا وعد بالدفع أو التعويض بعد وقوع الخطر، فتقوم شركة التأمين بتقديم التعويض اللازم إلى عميلها حتى لو كانت قيمة هذا التعويض أكبر من المبالغ التي سددها المؤمن عليه عند التوقيع على وثيقة التأمين.
إذا كان التأمين قد صار ضروريا في المجتمعات الغربية وعمودا من أعمدتها الاقتصادية، فإنه في المجتمعات الشرقية عموما والخليجية خصوصا لا يُعرَفُ للتأمين معنى ولا مغزى ولا يُوضَع له اعتبار. فالتأمين يفترض أن يكون مظلة للشركات والأفراد تقيهم الخسائر الناتجة عن الكوارث الطبيعية والحوادث البشرية، كما يفترض أن يكون في الوقت نفسه احدى أهم قنوات الاستثمار بمساهمته الواضحة في إنعاش حركة التنمية ليصير مثل ما هو الحال في الغرب لاعبا أساسيا في اقتصادات هذه الدول.
داوود سالم توفيق
العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة غزال للتأمين
dawoud.tawfeeq@ghazalins.com